"الطب في زمن الأنفلونسر".. هل يفقد الطبيب مصداقيته عندما يغادر عيادته إلى الشاشات؟
حتى وقت غير بعيد كانت صورة الطبيب مرتبطة في الأذهان بثوبه الأبيض وهو جالس داخل عيادته يفحص هذا المريض أو يجري اختباراً لذاك، لكن اليوم، بعد أن بات العالم الرقمي جزءاً من حياتنا اليومية أصبح الطبيب نجماً في مواقع التواصل الاجتماعي له حساباته التي يتابعها الآلاف، يقدّم النصائح الطبّية وينشر صوراً من عملياته أو حتى يشارك متابعيه لحظات من حياته اليومية.
بين ضوابط المهنة وأخلاقياتها ومتطلبات العصر الرقمي، تفجّر في تونس أخيراً نقاش حول "الطبيب الأنفلونسر" بعدما أصدرت عمادة الأطباء قراراً بضبط المحتوى الطبي في مواقع التواصل الاجتماعي.

إجراءات تأديبية
ففي خطوة تهدف إلى ضبط المحتوى الطبّي في مواقع التواصل الاجتماعي أعلنت عمادة الأطباء التونسيين عن إجراءات تأديبية ضد كل طبيب يمارس الإشهار المباشر وغير المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤكدة أن "أخلاقيات الطب تمنع ذلك منعاً باتاً".
وقالت إن الاجراءات تصل إلى حد الشطب من العمادة لكل من يرتكب هذه المخالفة، كما كشفت أنها باشرت التحقيقات ضدّ الأطباء الذين خالفوا أخلاقيات المهنة المتعلقة بحظر الإعلانات.
تنامي الظاهرة
وقالت العمادة إن هذا القرار اتخذ بسبب ارتفاع عدد المنشورات ذات الطابع الإشهاري على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما وصفته بـ"الأمر المقلق".
وشددت على أن الطبيب مطالب بالتزام أخلاقيات مهنة الطب وميثاقها الأخلاقي الذي ينظم استخدام الأطباء للإنترنت والإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي.
وطالبت العمادة التي شطبت اسم طبيب بسبب هذه الممارسات، الأطباء المعنيين بالمسألة بسحب أي منشور إلكتروني إعلاني، مهما كانت طبيعته "نصاً أو صورة أو فيديو أو نشر شهادات وتلقي تمويل عن حملة إشهارية أو اللجوء إلى المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أحد الأدوية".
وأكّدت التزامها فرض احترام أخلاقيات المهنة الطبية، والحفاظ على كرامة المهنة، وحماية المصلحة العليا للمرضى والمجتمع.
ليست تجارة
وفتح تحرك العمادة التونسية النقاش في ملف حضور الطبيب في مواقع التواصل الاجتماعي التي غزت كل القطاعات.
وفي تونس بات لافتاً في السنوات الأخيرة حضور الأطباء في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء على حساباتهم الخاصة أو إلى جانب مؤثرين، وذلك للحديث عن مستحضرات طبية أو مكملات غذائية أو لعرض صور لعمليات قاموا بها.
ويعد أطباء التجميل في صدارة الأطباء الذين يظهرون في مواقع التواصل الاجتماعي في تونس لترويج نشاطاتهم، سواء بشكل مباشر أو بالاستعانة بعدد من المؤثرين.
ويقول الدكتور والأستاذ في الجامعة التونسية عدنان الحنشي لـ"النهار" إن بعض الأطباء باتوا يستغلون صفتهم لترويج مستحضرات تجميل أو عمليات تجميل تجارية، ويتابع: "وصل الأمر إلى حد عرض صور قبل العلاج وبعده، وهو أمر مخالف لأبسط قواعد السرّية المهنية".
ويشدد على أن" الطب ليس تجارة بل مهنة لها قدسيتها"، موضحاً: "الطب ليس مهنة تنافسية وليس من حق الطبيب أن يقوم بالإعلانات من أجل جلب المزيد من المرضى".
ويضيف: "اليوم بلغ الأمر حدّ نقل تفاصيل عملية جراحية مباشرة في مخالفة صريحة لأخلاقيات المهنة".
ويلفت إلى أن الطبيب محمول على حفظ أسرار مرضاه، ومثل هذه الممارسات تضر بمصداقية المهنة وثقة المرضى به وبصورة الطبيب عموماً.
لكن في المقابل، لا يخفي عدد من الأطباء، وخصوصاً الشبان منهم، تذمّرهم من هذا القرار، معتبرين أنه لا يواكب تطورات العصر ويمنع ما يسمّونه "التواصل الطبي العصري"، وفق وصف طالبة الطب التونسية المقيمة في ألمانيا مها العابدي التي تقول لـ"النهار" إن مواقع التواصل الاجتماعي باتت جزءاً من حياة الطبيب والمريض على حد سواء ولا يمكن استثناء مهنة الطب من التفاعل معها.
وتقول الطالبة الناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي إن الطبيب يمكنه أنه يقدم نصائح عامة للمرضى وأن يساعد على التثقيف الصحي، وتعتبر أن حضور الأطباء في هذه الفضاءات يقطع الطريق أمام من يتحدثون في المواضيع الطبية من دون أن يكونوا من أهل الاختصاص ويمنع انتشار المعلومات المضللة والخاطئة.
ويتفق الدكتور حنشي مع طالبة الطب التونسية مشيراً إلى أن حضور الطبيب على مواقع التواصل الاجتماعي "إن كان الهدف منه توعوياً وتثقيفياً فهو مفيد".
لكنه يؤكد ضرورة وضع إطار قانوني ينظم بوضوح مسألة ظهور الطبيب في العالم الرقمي مشدداً على "وجود خطوط حمراء لا يمكن تجازوها تحت أي مسمّى".
وبين أخلاقيات المهنة ومواكبة التطور الرقمي يظل السؤال المطروح في تونس كما في جميع دول العالم: هل يمكن أن يكون الطبيب مؤثراً على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يتحوّل إلى مسوّق؟
نبض