شهر التوعية بالسكري... التعافي مستحيل لكن السيطرة على المرض ممكنة بشروط
الالتزام وعدم الحرمان شرطان أساسيان شددت عليهما رئيسة الجمعية اللبنانية لأمراض الغدد الصم والسكري والدهنيات الدكتورة ميراي العم، في مؤتمر نظمته الجمعية بدعم من شركة "نوفونورديسك" لمناسبة شهر التوعية بالسكري.
فلكون السكري من الأمراض المزمنة، فإنه يتطلب من المريض في الدرجة الأولى التزام المتابعة الطبية كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى عدم فرض شروط يغلب عليها الحرمان في النظام الغذائي الذي يتبعه. وهذا ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على حالته الصحية وعلى تطور السكري لديه.

انتشار واسع والخطر كبير
يصيب السكري نصف مليون شخص في لبنان، كما يصيب أكثر من نصف مليار شخص في العالم. وفي عام 2050 يتوقع أن تصل الأرقام إلى 850 مليون مريض في العالم. في ظل هذه الأرقام المرتفعة لمرض مزمن لا بد من أن يتعامل المريض معه طوال أيام حياته، تبرز أهمية الوعي والتثقيف والالتزام بهدف الحد من وطأة المرض ومضاعفاته الخطيرة التي تطاول وظائف الجسم ومواضع عديدة فيه. وفي الوقت نفسه، تحذر العم من خطر أكبر هو الأخبار الكثيرة الخاطئة التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع. فهي تشكل خطراً كبيراً على المرضى وعلى حياتهم أحياناً.
يُقسم السكري إلى نوعين أولهما يصيب الأطفال بشكل أساسي، وإن كان من الممكن أن يصيب البالغين أيضاً. أما النوع الآخر فيرتبط بالعامل الوراثي بشكل أساسي، ويصيب البالغين خصوصاً، لكنه بات اليوم يصيب الأطفال أحياناً نظراً إلى نمط الحياة المتبع وارتفاع معدلات السمنة. أما التحدث عن التوتر كسبب للإصابة بالسكري، فليس دقيقاً لأن التوتر لا يمكن أن يكون سبباً مباشراً للإصابة ولا بد من وجود الاستعداد الوراثي أولاً، فيما يعتبر التوتر من العوامل التي تؤثر سلباً على المرض وعلى مستويات السكر في الدم.
وبوجود العامل الوراثي، يأتي نمط الحياة ليلعب دوراً مهماً أيضاً عبر السلوكيات المتبعة فيه، خصوصاً مع الميل إلى اتباع نمط حياة غير صحي وارتفاع معدلات البدانة التي تعتبر من عوامل الخطر أيضاً.
ويضاف إلى هذين النوعين، سكري الحمل الذي يمكن أن يظهر خلال الحمل ويزول بعد الولادة، أو يمكن أن يعاود الظهور في مرحلة لاحقة أو يستمر بعد الولادة.
ما أولى أعراض السكري؟
تعتبر الأعراض التي ترافق أي مرض في غاية الأهمية، فهي تلفت إلى وجود مشكلة ما وتستدعي استشارة الطبيب. لكن بحسب العم، في معظم الحالات لا يشعر مرضى السكري بوجود أي مشكلة أو عارض، وغالباً ما يتم تشخيص المرض لديهم أثناء الخضوع لفحوص تتعلق بمشكلة صحية أخرى. لكن نسبة معينة من المرضى يمكن أن تشعر بأعراض معينة ترافق السكري:
-غشاوة في النظر.
-جفاف في الفم.
-كثرة تبول.
-ضعف في المناعة وطول مدة المرض.
-حريق او كهرباء في الأطراف.
هذه الأعراض تعتبر لافتة وتستدعي حكماً إجراء فحوص السكري، خصوصاً لمن يعاني مشكلة بدانة، أو في حال ارتفاع ضغط الدم، أو في حال وجود حالات سكري في العائلة.
نظرة مختلفة إلى المرض
مع التطور الطبي الملحوظ والسريع في الدراسات والأبحاث حول السكري وعلاجاته، سجّلت تغييرات أيضاً في النظرة إلى المرض. ففي الماضي كان التركيز على أن المرض يصيب خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين، وهذا صحيح، لكنها توضح أنه يصيب أيضاً خلايا أخرى في غاية الأهمية تفرز هرموناً مسؤولاً عن ضبط مستويات السكر في الدم. كما أنه يصيب أيضاً وظيفة الأنسولين في الجسم بحيث يصبح عاجزاً عن أداء دوره بالشكل المناسب والصحيح.
كما أن من المعروف أن السكري مرض مزمن يتعايش معه الإنسان، لكنه لا يبقى على حاله طوال الحياة. إذ يكون قسماً من خلايا البنكرياس قد مات بسبب المرض لدى تشخيصه، لكن لا يستمر بما تبقى منها لأنها تموت تدريجاً بعده خلال الحياة ويتطور المرض، ما يبرر الحاجة إلى إحداث تعديلات مستمرة في العلاج وفي إدارة المرض من خلال المتابعة الطبية كل ثلاثة أشهر، وفق التوصيات. ولم تتوافر حتى اليوم أي وسيلة لوقف هذه الخسارة أو منعها، فيما تتوافر الوسائل التي تسمح بإبطاء هذه العملية عبر إجراءات عديدة:
-ضبط مستويات السكر في الدم.
-المتابعة الطبية الدورية.
-التقيد بالتعليمات الطبية.
تجدر الإشارة إلى ان الخطورة الكبرى للسكري ليست في المرض ذاته، بل في المضاعفات التي قد تنتج منه وتطاول وظائف عديدة في الجسم. إذ يمكن أن يصيب المرض الشرايين الكبرى وتلك الرفيعة ما يؤدي إلى مشكلات عديدة بما أن هذه الشرايين مسؤولة عن تغذية الأعضاء بالدم.، ومنها:
-فقدان البصر.
-قصور الكلى وصولاً إلى غسلها. لذلك فإن معظم المرضى الذي يعانون الفشل الكلوي ويخضعون لجلسات غسل الكلى هم من مرضى السكري.
- تصلب شرايين الساقين والأطراف. لذلك يعتبر السكري السبب الأول لبتر الأطراف.
-الذبحة القلبية، ويتوفى معظم مرضى السكري بالسكتة القلبية. فيسبب السكري الأذى للشرايين ولعضلة القلب. علماً أن أدوية السكري الحديثة لم تثبت أنها آمنة للقلب والشرايين فحسب، إنما أيضاً مفيدة لها.
-الجلطة الدماغية.
-الضعف الجنسي لدى الرجل.
-ضعف في العصب.
هذه هي المضاعفات الأكثر شيوعاً لمرض السكري الذي يترافق عادةً مع البدانة ومع الشحوم على الكبد. وبقدر ما تكون هناك متابعة طبية للمريض لتحسين إدارة المرض، من الممكن الحد من المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها. مع الإشارة إلى أنه لدى معالجة مريض السكري، لا بد من متابعة كل المشكلات الصحية المرافقة كون المرض يؤثر على وظائف عديدة في الجسم ويتأثر بها أيضاً. فلا بد من السيطرة على كل الأمراض والعوامل التي تزيد الأخطار في مرض السكري، وتشدد العم على أهمية التعاطي مع المرض على أساس نظرة شمولية. أما أهم العناصر التي لا بد من السيطرة عليها في هذه الحالة فهي:
-ارتفاع ضغط الدم.
-ارتفاع مستويات الدهنيات.
-زيادة الوزن.
-التدخين.
-نمط الحياة الذي يغلب عليه الركود.
هل يمكن التعافي من السكري؟
ليس التعافي التام من المرض ممكناً حتى اللحظة إلا في حالات قليلة يمكن فيها إزالة السبب الأساسي للمرض، كما في حال الإصابة بالسمنة ونجاح المريض في التخلص من زيادة الوزن. عندها إذا كانت السمنة سبباً، فيمكن التخلص من المرض، وإن كان طبياً يبقى المرض موجوداً ومن الممكن أن يعاود الظهور.
في المقابل، من الممكن التدخل في الوقت المناسب في مرحلة ما قبل السكري لأنه فيها من الممكن العودة إلى الوراء ومنع بلوغ مرحلة الإصابة بالسكري. فمع بلوغ مرحلة السكري يكون قد فات الأوان وقد بدأ الأذى. تعتبر مرحلة ما قبل السكري في غاية الأهمية لأن التدخل ممكن فيها لمنع الإصابة بالمرض عبر اتخاذ الإجراءات المناسبة بحسب كل حالة إما بالأدوية وإما بإرشادات ترتبط بنمط الحياة.
نبض