إلى المجتمعين في "كوب 30": فليكن رفاه الإنسان همكم الأول

صحة وعلوم 10-11-2025 | 08:01

إلى المجتمعين في "كوب 30": فليكن رفاه الإنسان همكم الأول

بالنسبة إلى مليارات البشر في الدول النامية، يظلّ الحدّ من الفقر وتفشي المرض والمشكلات اليومية الضاغطة أشد إلحاحاً من بذل الجهود لتحقيق أهداف بعيدة المدى، تتعلّق بمتوسط حرارة الكوكب
إلى المجتمعين في "كوب 30": فليكن رفاه الإنسان همكم الأول
نصب أقيم في بيليم لمناسبة انعقاد القمة المناخية (وكالات)
Smaller Bigger

فيما يتابع العالم اجتماع القادة والسياسيين في مدينة بيليم البرازيلية للمشاركة في الدورة الثلاثين لمؤتمر المناخ، أرسل رجل الأعمال وفاعل الخير بيل غيتس رسالة شديدة الوضوح: على قمم المناخ، وفي مقدمها COP30، أن تضع رفاه الإنسان في رأس سلم أولوياتها، من دون أن تحصر نفسها في سباق الأرقام المتعلّقة بخفض الانبعاثات ودرجات الحرارة. ورغم أن طرح غيتس يأتي متأخراً نسبياً، فإنه يبدو منسجماً تماماً مع المنطق والواقع.

 

رأي
بيورن لومبورغ
محاربة الفقر هي أولوية البنك الدولي... لا القضايا المناخية
حين أُنشئ البنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، كان هدفه إعادة إعمار أوروبا، إلا أنه تحوّل لاحقاً إلى مؤسسة تُعنى بالحد من تفشي الفقر في العالم.

 

شدّدتُ دائماً على ضرورة أن يسأل صانعو السياسات أنفسهم: ما السبيل الأفعل لتحقيق أعلى منفعة ممكنة اعتماداً على موارد محدودة؟ بالنسبة إلى مليارات البشر في الدول النامية، يظلّ الحدّ من الفقر وتفشي المرض والمشكلات اليومية الضاغطة أشد إلحاحاً من بذل الجهود لتحقيق أهداف بعيدة المدى، تتعلّق بمتوسط حرارة الكوكب.

 

شعار COP30 في محطة دوكس في بيليم، البرازيل. (أ ف ب)
شعار COP30 في محطة دوكس في بيليم، البرازيل. (أ ف ب)

 

في البلدان الفقيرة، لا ينشغل الآباء والأمهات بهاجس خفض درجات الحرارة 0.1 درجة مئوية في قرن من الزمن، إنما ينشغلون بنجاة أطفالهم من الملاريا، أو بحصولهم على تعليم يضمن لهم مستقبلاً أفضل. وكما يقول غيتس، "كان الفقر والمرض أكبر المشكلات، وما زالا". ففي كل عام، يفقد أكثر من 7,5 ملايين شخص في الدول الفقيرة حياتهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها أو علاجها بأكلاف زهيدة. ويمكن استثمارات فعّالة في مجالات الصحة والتغذية والتعليم أن تنقذ أكثر من 4 ملايين إنسان سنوياً، إلى جانب تعزيز النمو والقدرة على التكيّف في المستقبل.

تأتي رسالة غيتس الواقعية في لحظة يشهد فيها العالم تحولاً واضحاً في التفكير. لسنوات عدة، لم يكن مسموحاً أي خروج على الخطاب المناخي المتشدّد، إذ كان الهدف السياسي الأعلى هو خفض الانبعاثات بأي ثمن. كرّر الأمين العام للأمم المتحدة، وعدد غفير من السياسيين والمشاهير المتحمّسين، الخطاب نفسه حتى أرهقهم الأمر. وكان كل مَن يبدي تشكيكاً في حجم التهديد المناخي أو في جدوى السياسات المكلفة يُوصَم فوراً بأنه "ينكر مشكلات المناخ".

فجأةً، عاد التفكير البراغماتي والتحليل الرصين إلى الواجهة. ففي الولايات المتحدة، صرّح السيناتور الديموقراطي كريس كونز بأن قضية المناخ "لم تعد ضمن أهم ثلاث أولويات في الوقت الراهن". أما رئيس الوزراء الكندي الليبرالي، الذي حذّر قبل عقد من أن الكارثة المناخية المقبلة قد تجعل احتياطيات الوقود الأحفوري "غير قابلة للاحتراق"، فيسابق الزمن اليوم لبناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، متعهداً تحويل بلاده إلى "قوة عظمى في مجال الطاقة". وبدأت الحكومتان البريطانية والألمانية، المعروفتان بميولهما الخضراء، تتحدثان أخيراً عن ضرورة إدخال الحسابات الاقتصادية الواقعية في سياسات المناخ والطاقة.

 

كان كل مَن يبدي تشكيكاً في حجم التهديد المناخي أو في جدوى السياسات المكلفة يُوصَم فوراً بأنه "ينكر مشكلات المناخ"

 

حان الوقت لتجاوز السرديات الكارثية التي سيطرت طويلاً على النقاش المناخي. فالتغير المناخي مشكلة حقيقية، لكنه ليس نهاية العالم. تظهر النماذج الاقتصادية أنه إذا تُرك من دون معالجة، فقد يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2 إلى 3% بحلول عام 2100، وهذا يعني ببساطة أننا سنكون أكثر ثراءً بنسبة 435% بدلًا من 450%. قضية المناخ مهمة، نعم، لكنها ليست القضية الوحيدة، وينبغي ألا تطغى على ما عداها.

مع ذلك، يتمسك نشطاء المناخ بخطابهم القديم. يقول أحد مزاعم هذا الخطاب إن الإنفاق على المناخ لا ينتقص من جهود مكافحة الفقر، وهذه حجة يكرّرها أستاذ المناخ مايكل أوبنهايمر، متهماً بيل غيتس بتقديم "ثنائية زائفة". إلا أن أي شخص يعيش في العالم الحقيقي يدرك جيداً أن المال لا يُنفق مرتين. فالمؤسسات الإنمائية المتعدّدة الطرف — المموّلة أساساً من أموال المكلفين الضريبيين لمساعدة الدول الفقيرة — خصصت في 2024 وحده نحو 137 مليار دولار لقضايا المناخ، وهذا يعني ببساطة أن هذه الأموال لن تذهب إلى مكافحة الأمراض ولا الجوع.

أنفق العالم أكثر من 14 تريليون دولار على سياسات المناخ. وفي العام الماضي وحده، تجاوزت التكلفة تريليوني دولار. أكرر مرة أخرى: هذه موارد استُنزفت في سياسات مناخية، ولم تُنفق على التعليم الأساسي أو صحة الأمهات أو البنية التحتية الأساسية.

 

السياسات المناخية الغربية ليست نموذجاً يُحتذى به!
يُعدّ التخفيف من وطأة الفقر جزءاً أساسياً من الاستجابة للاحترار المناخي. فتمكين الناس من الخروج من دائرة الفقر يقلّل من ضعفهم أمام الصدمات المناخية مثل موجات الحر أو الأعاصير.

 

من الادعاءات المتكررة كذلك ما يقوله أستاذ المناخ مايكل مان: "لا تهديد أكبر على الدول النامية من أزمة المناخ". يوحي هذا الخطاب أن نشطاء البيئة في أبراجهم العاجية يعرفون مصالح العالم النامي أكثر مما يعرفها سكانه. لكن الواقع مختلف تماماً، إذ يصنّف مواطنو 39 دولة أفريقية قضية المناخ في المرتبة 31 من أصل 34 مشكلة، متخلفةً جداً عن قضايا التعليم والوظائف والصحة والطرق. فحين تعيش في فقر مدقع، تكون الأخطار الحقيقية واضحة وصريحة: أمراض تفتك بك في كل يوم، وجوع يهدد الحياة البشرية.

ما يطلبه النشطاء من الفقراء عملياً هو أن يركزوا على خفض الانبعاثات قبل الحصول على الغذاء أو الدواء أو الخروج من الفقر. جاء رد غيتس واضحاً: لنعطِ الأولوية لما يحقق أكبر منفعة بشرية.

 

المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP29) في باكو، 12 نوفمبر 2024. (أ ف ب)
المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP29) في باكو، 12 نوفمبر 2024. (أ ف ب)

 

قمة مناخ تُبنى على رفاه الإنسان ستدرك أن تعزيز الازدهار الاقتصادي هو أحد أفعل السبل في مواجهة تغير المناخ، لأنه يمنح المجتمعات قدرة أكبر على التكيّف. وكما هي الحال في أي سياسة عامة، يجب التعامل مع المناخ بمنطق الأولويات: التركيز على ما يحقق أكبر أثر حقيقي، وهذا يعني التخلي عن هوس الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بمسارات مكلفة وضعيفة الجدوى، وتعزيز الاستثمار في التكيف، وتوجيه الموارد إلى البحث والتطوير لدعم الابتكار في الطاقة النظيفة.

في بيليم، حيث هبطت طائرات النخبة العالمية الحاضرة في قمة المناخ، يبدو أن العالم بحاجة إلى صوت العقل، اليوم أكثر من أي يوم مضى.

*رئيس مؤسسة "تفاهم كوبنهاغن"، زميل زائر في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، ومؤلف كتابي "إنذار كاذب" و"الأفضل أولاً"

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/18/2025 10:10:00 PM
استهداف إسرائيلي في عين الحلوة... وعدد كبير من الضحايا.
سياسة 11/19/2025 1:59:00 PM
مصادر في المتحف توضح في اتصال مع "النهار" تفاصيل صنع التمثال
سياسة 11/19/2025 7:27:00 PM
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي:  تم تقديم بلاغات بشأن بعض الأهداف الموجودة داخل القرية خلال الأشهر الأخيرة عبر الآلية المخصصة لتنفيذ التفاهمات، لكنها لم تعالَج
مجتمع 11/18/2025 10:59:00 PM
أثناء استكمال المداهمة لمنزل شقيقه المطلوب حسين عباس جعفر، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة في بوابة المنزل...