نتالي الشامي تكشف الوجه الآخر للسمنة والوقاية القلبية

صحة وعلوم 28-10-2025 | 08:12

نتالي الشامي تكشف الوجه الآخر للسمنة والوقاية القلبية

 السمنة ليست مرضاً واحداً بل مجموعة من الحالات المتنوّعة التي تؤثر في الأفراد بطرق مختلفة. 
نتالي الشامي تكشف الوجه الآخر للسمنة والوقاية القلبية
السمنة في صلب الجينات (getty)
Smaller Bigger

بينما يتحوّل نمط الحياة الحديث إلى عامل رئيسي في التسبب بالسمنة، بدأت الأبحاث تكشف أن ما يحدث في أجسامنا لا يقرّره الطعام فحسب، بل الجينات أيضاً، فما الذي يجعل شخصين يعيشان الظروف نفسها، يعاني أحدهما من مضاعفات قلبية خطيرة، فيما يبقى الآخر بصحة جيدة رغم السمنة؟

هذا السؤال كان نقطة الانطلاق لفريقٍ بحثي دولي قاد إلى اكتشاف علمي غير مسبوق، قد يغيّر الطريقة التي نفهم بها السمنة إلى الأبد.

في مقابلة مع "النهار"، كشفت الأستاذة الجامعية والباحثة في علم الوراثة والجينوم الدكتورة نتالي الشامي عن تفاصيل الدراسة الدولية التي قامت بها في نيويورك، والتي حدّدت أكثر من مئتي منطقة جينية مرتبطة بالسمنة. وأوضحت أن بعض هذه المناطق قد تؤدي دوراً وقائياً ضد الأمراض الأيضية، مؤكدة أن السمنة ليست وجهاً واحداً، بل مجموعة من الأنواع المختلفة، لكل منها مساره وأخطاره الخاصة.

وقالت إن فريقها البحثي توصّل إلى تحديد 266 متغيراً في 205 مناطق جينية، كلها مترابطة في الوقت نفسه. ووسط سباقٍ عالمي لمواجهة وباء السمنة، يكتشف العلماء وجهاً جديداً لهذا المرض، يكشف أن خلف الكيلوغرامات الزائدة أسراراً جينية دقيقة متعلقة بزيادة السمنة وانخفاض خطر الأمراض القلبية الأيضية، أو بانخفاض خطر السمنة وارتفاع خطر هذه الأمراض.

وأشارت إلى أن الدراسات السابقة ركزت غالباً على مقياس واحد للسمنة مثل مؤشر كتلة الجسم (BMI)، أما دراستها فقد استخدمت تصميماً متعدّد السمات حلّل مؤشرات الدهون والعوامل القلبية الأيضية معاً، لاكتشاف الجينات التي تؤثر في السمنة والأخطار الأيضية في الوقت نفسه.


وأكدت أن هذه النتائج تُغيّر نظرتنا إلى السمنة اليوم، إذ لم تعد تُعدّ حالة واحدة، بل مجموعة من الأنواع المختلفة. وقالت: "التدخلات العلاجية لا تنجح بالطريقة نفسها عند الجميع، لأن كل شخص يعاني من السمنة يسلك مساراً صحياً مختلفاً ويحمل عوامل خطر مميزة".

السمنة في صلب الجينات (getty)
السمنة في صلب الجينات (getty)


وأضافت أن دراستها لا تُظهر أن السمنة تتكوّن من أنواع فرعية عدة فحسب، بل تحدد أيضاً العوامل الجينية التي تميز كل نوع والمضاعفات الصحية المرتبطة به، مشددة على أن هذا الفهم يُقرّب من علاج السمنة بطريقة دقيقة وشخصية لكل فرد.

وعن الأنواع الفرعية، كشفت أن الدراسة حدّدت ثمانية أنواع فرعية من السمنة تختلف اختلافاً كبيراً في خصائصها وبيولوجيتها الأساسية. وأوضحت أن كل نوع منها يرتبط بأخطار مختلفة؛ فبعض الأنواع يرتبط بزيادة السمنة وانخفاض ضغط الدم، فيما يرتبط آخر بخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، بينما أظهرت أنواع أخرى تأثيراً وقائياً في انخفاض الكوليسترول والغلوكوز وضغط الدم.

وقالت إن هذا التمييز بالغ الأهمية، لأنه يثبت أن السمنة ليست مرضاً واحداً بل مجموعة من الحالات المتنوّعة التي تؤثر في الأفراد بطرق مختلفة. وتابعت موضحة أن هذا الفهم قد يساعد مستقبلاً الأطباء على استخدام المعلومات الجينية لتحديد الأشخاص المعرّضين لمضاعفات معينة، وحتى التدخل في مرحلة الطفولة قبل ظهور الأعراض.

وفي ما يتعلق بتنوّع المشاركين في الأبحاث، لفتت إلى أن جزءاً كبيراً من بيانات الدراسة يعود إلى أشخاص من أصل أوروبي، موضحةً أن توسيع الأبحاث لتشمل مجموعات سكانية مختلفة حول العالم سيكون محور عملها وفريقها في المرحلة المقبلة. وقالت: "هذه نقطة مهمة جداً، فلكي نتمكن من تعميم النتائج على شعوب أخرى، علينا إجراء الدراسات ذاتها على مجموعات أكثر تنوّعاً".

وتحدثت عن أهمية الكشف المبكر، مشيرةً إلى أن فريقها أنشأ مقياساً جينياً يجمع تأثيرات المتغيرات الجينية الـ266 يمكن من خلاله تقييم الخطر على الفرد ومضاعفات القلب والأوعية.

وأوضحت أن ارتفاع هذه الدرجة يعني ميلاً أكبر للإصابة بالسمنة ولكن انخفاض خطر أمراض القلب، والعكس صحيح. وأردفت أن الأطفال الذين يسجّلون درجة مرتفعة للمتغيرات الوقائية كانوا أكثر عرضة للسمنة، لكن أقل عرضة للمضاعفات القلبية. وقالت: "هذا يعني أننا نستطيع التمييز بين الأنواع المختلفة من السمنة منذ سن مبكرة، ما يتيح التدخل المبكر والوقاية".

وعن تأثير هذه الاكتشافات على مستقبل علاج السمنة والطب الدقيق، شددت على أن علاج السمنة يتطلّب الاعتراف بأنها لا تؤثر على الجميع بالطريقة نفسها. وقالت إن الطب الدقيق يقوم على فكرة أنه ليس ثمة شخصان متشابهان تماماً، حتى إن كانا يعانيان المرض نفسه.

ولفتت إلى أن أهمية الدراسة تكمن في جانبين رئيسيين:


أولاً، أن المقياس الجيني الذي طوّرته يقرّب من تحقيق الطب الدقيق، لأنه يساعد في تحديد من هم أكثر عرضة للمضاعفات ومن قد يبقون بصحة جيدة رغم السمنة.

وثانياً، أن النتائج تكشف البيولوجيا الأساسية التي تربط بين السمنة والمضاعفات القلبية الأيضية، ما قد يفتح الباب أمام أدوية جديدة تُحاكي التأثير الوقائي لبعض الجينات وتساعد الناس على الحفاظ على صحتهم حتى مع الاستعداد الوراثي للسمنة.

وعن إمكان تطبيق مثل هذه الدراسات في العالم العربي، أوضحت أن هذه الأبحاث تمثل الخطوة الأولى نحو تصنيف الأفراد المصابين بالسمنة بناءً على خطرهم الجيني، لافتةً إلى أن حساب هذه الدرجات ممكن لأيّ شخص ما دامت بياناته الجينية متوافرة.

وتابعت أن هذه الأدوات ليست جاهزة بعد للاستخدام الطبي اليومي، مؤكدة الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحسين دقتها ودراسة مجموعات سكانية أوسع. ومع مرور الوقت – كما قالت – ستصبح الفحوص الجينية أكثر دقة وأقل تكلفة، وبالتالي أكثر انتشاراً وسهولة في الوصول إليها.

وختمت بالتشديد على أن نتائج الدراسة لا تعني أن الإصابة بالسمنة أمر آمن أو أن نمط الحياة غير مهم، موضحةً أن العوامل الجينية تفسر فقط جزءاً من الاختلافات، بينما تبقى العادات السلوكية مثل النظام الغذائي والنشاط البدني عناصر أساسية للحفاظ على الصحة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/25/2025 1:09:00 PM
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه العديد من المدارس السورية نقصاً حاداً في المقاعد الدراسية
شمال إفريقيا 10/27/2025 7:36:00 AM
بحسب اعترافاته، فقد قرر التخلص من الأم بعد أن "اكتشف سوء سلوكها"
مجتمع 10/27/2025 9:13:00 AM
نقتبس من كلام براك في الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال جبران تويني: "وفي عز موسم الحاجة الى أحياء يسيرون في وداع السابقين".
الولايات المتحدة 10/27/2025 8:47:00 AM
 أجهزة إنفاذ القانون ترجّح أن منفذ الهجمات هو الشخص نفسه