بين المتعة والخطر… قهوة بنكهة البلاستيك
قد يبدو كوب القهوة الصباحي بريئاً، لكن خلف بخاره الدافئ يختبئ خطر لا يُرى بالعين المجرّدة. كل رشفة قد تُخفي جزيئات بلاستيكية دقيقة تتسرّب من الكوب أو أدوات التحضير نفسها، وفق تقرير موسّع حول انتشار الملوّثات البلاستيكية الدقيقة في مشروباتنا اليومية.
في دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة برمنغهام في إنكلترا، تم تحليل 31 نوعاً من المشروبات وركّز العلماء على الجسيمات التي يزيد قطرها عن 10 ميكرومترات، أي ما يعادل خُمس عرض شعرة الإنسان تقريباً.
النتائج صادمة!
تفاوتت الأرقام بين المشروبات الساخنة والباردة:
الشاي الساخن: 60 جسيماً في الليتر.
الشاي المثلّج: 31 جسيماً.
القهوة الساخنة: 43 جسيماً.
القهوة المثلّجة: 37 جسيماً تقريباً.
الحرارة... المحرك الخفي لتوليد الجسيمات البلاستيكية
تتسلل الجسيمات من مصادر متعددة، من أغطية الأكواب البلاستيكية إلى البطانة الداخلية لأكياس الشاي. لكن عند ملامستها الماء الساخن، تتسارع وتيرة تسربها بشكل كبير. ولاحظ الباحثون أن القهوة المحضّرة في آلة بلاستيكية عمرها ثماني سنوات احتوت على ضعف كمية الجسيمات الموجودة في قهوة أُعدّت باستخدام آلة جديدة، وفق ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" في تقريرها.
ولم تتوقف الظاهرة عند المشروبات فقط. فقد أظهرت أبحاث أن عبوات أغذية الأطفال البلاستيكية الصغيرة قد تطلق أكثر من ملياري جزيء بلاستيكي نانوي في كل سنتيمتر مربع عند تسخينها في الميكروويف، أي أكثر بكثير مما تُطلقه عند حفظها في درجة حرارة الغرفة أو في الثلاجة.
وتبيّن أن درجات حرارة الغسيل المرتفعة تسرّع من إطلاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من الملابس المصنوعة من أقمشة اصطناعية مثل البوليستر.
كل مرة نستخدم فيها الحرارة مع البلاستيك، سواء في المطبخ أم في الغسيل، نطلق المزيد من الجسيمات الدقيقة. هذه الجسيمات قد تصل إلى أجسامنا أيضاً.

كيف يصل البلاستيك إلى أجسامنا؟
يشرح الدكتور محمد أبيض، أستاذ تجهيز الأغذية وتغليفها في قسم التغذية وعلوم الأغذية في الجامعة الأميركية في بيروت، في حديث إلى "النهار"، أن مصادر البلاستيك الدقيق تنقسم إلى نوعين:
- مصادر أساسية: من مستحضرات التجميل، وواقي الشمس، ومعجون الأسنان، والمنظفات، والطلاءات، وغيرها. تصل هذه الجسيمات إلى مياه الصرف الصحي ثم إلى المحيط، حيث تمتصها الكائنات البحرية، فتدخل السلسلة الغذائية.
- مصادر ثانوية: كالبلاستيك الموجود في مواقع النفايات، الذي يتحلل بفعل الأكسدة والضوء والرطوبة والحرارة، وينتهي به المطاف في البيئة، ليصبح جزءاً من غذائنا ومياهنا.

أخطار صحية محتملة
تشير الأبحاث المخبرية إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية يمكن أن تسبب التهابات على المستوى الخليوي وتؤثر في ميكروبيوتا الأمعاء، وقد تُحدث اضطرابات عصبية في حال وصولها إلى مجرى الدم. وعند استنشاقها، يمكن أن تتراكم هذه الجسيمات في أنسجة الرئة مسببة التليف والتهيج، كما قد تصل إلى الجهاز التناسلي وتؤدي إلى تسمم هرموني يؤثر في الخصوبة والغدد الصماء. ويعود ذلك خصوصاً إلى امتصاص الملدّنات والفثالات والمعادن الثقيلة الموجودة في البلاستيك، التي قد تحاكي عمل الهرمونات الطبيعية وتخلّ بتوازنها، وفقاً لدكتور أبيض الذي يشير إلى أن الأبحاث في هذا المجال لا تزال محدودة.
ويضيف أن الدراسات رصدت وجود الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية في الجهاز الهضمي، لا سيما في البراز والدم والبلازما، بل وفي حليب الأم والرئة والكبد والكلى والطحال.
وبينما تخرج الجسيمات الأكبر (أكثر من 150 ميكرومترا) عادةً عبر البراز خلال يوم إلى ثلاثة أيام، قد تبقى الجسيمات المتوسطة (بين 20 و150 ميكرومترا) عالقة في الأمعاء لأيام أو أسابيع، في حين يمكن للجسيمات النانوية (يقل حجمها عن ميكرومتر واحد) أن تستقر في الجسم لأسابيع أو حتى أشهر قبل أن تتعامل معها الخلايا المناعية ببطء، بحسب أبيض.
7 خطوات لتقليل دخول البلاستيك إلى جسدك
رغم أن تجنب البلاستيك تماماً يبدو شبه مستحيل، إلا أن الخبراء يشيرون إلى خطوات بسيطة يمكن أن تقلل التعرض له:
- تجنّب القوارير البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
- اعتماد فلتر مياه معتمد للمنزل.
- عدم تسخين الطعام أو الحليب في أوعية بلاستيكية.
- استخدام أوعية غير بلاستيكية للتخزين.
- الحفاظ على نظافة المنزل لتقليل الجسيمات المحمولة في الهواء.
- تقليل غسل الملابس الاصطناعية.
- اختيار الأطعمة الطازجة وتجنّب المعلّبة والمصنّعة.
من القهوة الصباحية إلى غسيل الثياب، يرافقنا البلاستيك في كل خطوة. لكن الوعي بخطورته واتّباع ممارسات بسيطة يمكن أن يخفّف من تسربه إلى أجسامنا وبيئتنا.
نبض