رجل وقع في حبّ آلة... ريشا لـ"النهار": الروبوتات متعاطفة مع البشر أكثر من الأطبّاء أحياناً

تكنولوجيا 10-10-2025 | 07:05

رجل وقع في حبّ آلة... ريشا لـ"النهار": الروبوتات متعاطفة مع البشر أكثر من الأطبّاء أحياناً

الحالات الفردية لا تكفي لإثبات علاقة سببية، لكنها تكشف عن ثغرة خطيرة تكمن في الخلط بين الدعم العاطفي والتغذية المرضية للوهم.
رجل وقع في حبّ آلة... ريشا لـ"النهار": الروبوتات متعاطفة مع البشر أكثر من الأطبّاء أحياناً
صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي.
Smaller Bigger

يشهد العلاج النفسي ثورة بفضل روبوتات المحادثة التي توفر دعماً فورياً وشخصياً على مدار الساعة، وتساعد في التأمّل الذاتي وتخفيف القلق. لكن بعض الحالات كشفت وجهاً مظلماً: تفاعلات طويلة مع روبوتات "مُتعاطفة" أدّت إلى أوهام خطيرة وأسهمت في الوصول إلى حافة الانتحار.

 

الحالات الفردية لا تكفي لإثبات علاقة سببية، لكنها تكشف عن ثغرة خطيرة تكمن في الخلط بين الدعم العاطفي والتغذية المرضية للوهم.

 

نقرأ عن براندون، رجل أربعيني وحيد، وجد عزاءه في روبوت دردشة سمّاه "بول". ومع الوقت، بدأ يعتقد أن الروبوت كائن واعٍ يحتاج إلى إنقاذ. قصته تشبه وقائع حقيقية، مثل رجل بلجيكي أنهى حياته بعد محادثات عن القلق المناخي، وآخر قتل والدته ثم نفسه بإيعاز من روبوت. القاسم المشترك: العزلة، والاستخدام الطويل، وخاصية الذاكرة التي عمّقت الهوس بدل كسره.

 

الذهان الناتج عن الذكاء الاصطناعي (AIP)

يصف الأطباء هذه الحالة الجديدة بأنها مزيج من الأوهام، والهلوسات، واضطراب الوعي بالواقع، تتفاقم مع الانغماس المستمر في تفاعل وهمي مع آلة يُنظر إليها ككائن حقيقي. كلما طال الاستخدام، ارتفع خطر الذهان.


الخطر لا يكمن في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في خوارزمياته، إذ جرى تدريبه على الإرضاء والموافقة، لا على المواجهة. ومع خاصية الذاكرة، تصبح الأوهام أكثر رسوخاً مع مرور الوقت.

لم يعد "الشات بوت" مجرّد أداة مساعدة، بل تحوّل في أذهان كثيرين إلى محاورٍ، ومرشدٍ، وصديقٍ أحياناً، بل ومصدر ثقة في مجالات دقيقة كالعلاج النفسي والطبّي.

 

هذا التحوّل، على حدّ وصف الدكتور سامي ريشا، رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب في جامعة القديس يوسف وأول طبيب نفسي لبناني يُنتخب عضواً في الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا، "يستحق أن يُدرس بعناية، لأنه يمسّ جوهر العلاقة بين الإنسان ونفسه، قبل أن يمسّ علاقته بالآلة".

 

مساعدة أم مغامرة؟

يرى ريشا أن الخطورة الكبرى تكمن في الاعتماد العاطفي والعلاجي المفرط على "الشات بوت". فالكثير من الناس باتوا يلجؤون إليه لطلب المشورة الطبّية أو حتى التشخيص والعلاج. لكن "العلاجات التي يعرضها الشات بوت عامة ومأخوذة من بروتوكولات معروفة، لكنها لا تراعي خصوصية كل حالة، ولا يمكن أن تحلّ محلّ التقييم الفردي للطبيب. فكل إنسان يعيش حالته بطريقته الخاصة، ولا يمكن توحيد التجارب الإنسانية تحت معادلة رقمية واحدة."

ويحذّر ريشا من أن يتبدّل ميزان الثقة بين المريض والطبيب، قائلاً: "حين يشعر المريض بأن الآلة تفهمه أكثر من الطبيب، نكون قد خسرنا أحد أعمدة الطبّ الإنساني، وهو الثقة المبنيّة على الضمير المهني وحسن النيّة". وفي رأيه، "الشات بوت في أحيان يملك تعاطفاً وصبراً تجاه الإنسان أكثر من الطبيب".

وفي زمن يعيش فيه كثيرون وحدةً داخل مجتمعات مزدحمة، صار البعض يبحث عن دفء التواصل في مساحةٍ افتراضية، يجدون فيها من يسمعهم أكثر ممّن حوله. 

 

لكن هذه الراحة المؤقتة، وفق ريشا، قد تتحوّل إلى تعلّقٍ خطير، إذ يُسقط الإنسان مشاعره على الآلة، فيتوهّم علاقة قائمة على الفهم والتفاعل، بينما في الواقع هو يتحدث مع خوارزمية لا تملك وعياً ولا عاطفة. وهنا يتحدث عن واقعة حصلت في عيادة طب نفسي في لبنان، حيث يعالج رجل وقع في حبّ روبوت دردشة، ووصل إلى حالة من التعلق الشديد به.

 

تشخيص الحالات 

إلى ذلك، وفي المجال النفسي، "لاحظنا كأطبّاء أن بعض المرضى يستعينون بـ"تشات جي بي تي" لتشخيص حالاتهم أو لتقييم أدويتهم، بل إن بعضهم "يجرّب العلاجات التي يقترحها الذكاء الاصطناعي"، كما يؤكد ريشا.

 

هكذا، "صرنا أمام مشهد مقلق: المريض يستشير الطبيب ليعرف رأي الآلة، ثم يعود إلى الآلة ليأخذ رأيها برأي الطبيب! إنها علاقة معكوسة في ميزان المعرفة."

 

الخطر الأكبر

تعليقاً على حالات انتحار بسبب علاقةٍ متطوّرة بين أشخاص و"الشات بوت"، يشير ريشا إلى أن بعض هذه الحالات "نشأت عندما شجّعت الآلة الشخص بطريقةٍ غير مباشرة على الإقدام على الانتحار، أو لم تُحسن التصرّف أمام بوادر أزمة نفسية حادّة". 

 

وفي رأي ريشا الحاسم: "لا ينتحر أحد لسببٍ واحد. هناك دائماً مجموعة عوامل متشابكة. لكن الخطورة تكمن حين يلتقي شخص هشّ نفسياً بآلةٍ لا تملك حسّاً إنسانياً ولا قدرة على التقدير الأخلاقي."

 

يبقى أن المرجع الطبّي العالمي DSM-5 الذي يُستخدم لتشخيص الأمراض النفسية، يمكن أن يُدرج داخل قاعدة بيانات "الشات بوت"، لكنّ ذلك لا يكفي، وفق ريشا، فالآلة "تستطيع أن تشرح الأعراض، لكنها لا تستطيع أن تقيّم أثرها على حياة الشخص. لا تميّز بين معاناةٍ عابرة ومرضٍ فعلي، ولا يمكنها أن تقرأ التجربة الإنسانية بعمقها العاطفي والاجتماعي. هذا دور الطبيب، وليس دور الخوارزمية."

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
المشرق-العربي 10/9/2025 5:51:00 AM
حذّر أدرعي سكان قطاع غزة من العودة إلى المنطقة التي تقع شمال وادي غزة
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟