الحواجز الاجتماعية والثقافية تحطمت عربياً... حملات التلقيح لـHPV بين المجانية والكلفة المرتفعة

شاعت أخيراً الهواجس المرتبطة بلقاح HPV برغم أهميته للوقاية من سرطان عنق الرحم وغيره. فقد كانت هناك معتقدات خاطئة عديدة مرتبطة به في المجتمعات العربية، خصوصاً أن فيروس الورم الحليمي البشري يرتبط في أحيان كثيرة بالعلاقة الجنسية، وساهمت عوائق عديدة، ثقافية واجتماعية، في خفض مستويات التلقيح.
في السنوات الأخيرة، بدا واضحاً أن التشجيع ونشر الوعي بأهمية اللقاح اتخذا مساراً مختلفاً مع التشديد على أهميته في الوقاية من سرطانات معينة لدى الذكور والإناث، وخصوصاً سرطان عنق الرحم، هذا ما ساهم في ارتفاع مستويات التلقيح، خصوصاً في دول الخليج التي حرصت على نشر الوعي عبر حملات توعية مكثفة تبعتها حملات تلقيح واسعة تأمّن فيها اللقاح مجاناً لجميع المواطنين.
تغطية شاملة في دول الخليج
توضح رئيسة التحالف الإقليمي للأمراض غير السارية ورئيسة تحالف إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتورة ابتهال فاضل، أن في دول الخليج هناك تغطية شاملة بشكل عام، خصوصاً أن ثمة حملات تلقيح مجانية متواصلة بلقاح HPV. وصحيح أن اللقاح ليس إلزامياً، إلا أنه يشكل جزءاً من برنامج التحصين الوطني في العديد من دول الخليج، ما ساهم في تقبله وزيادة الإقبال عليه. فللمواطنين ثقة بالنظام الصحي، وما دامت حملات التلقيح تقام على نطاق واسع، لا يتردد الأهل في إعطاء اللقاح للفتيات، بما أنه يعطى لهن في المدارس أيضاً. وبالتالي نادراً ما يرفض إعطاء اللقاح للأطفال، بحسب فاضل.
و"كانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة بدأت التلقيح، بدءاً بأبو ظبي في عام 2008. وفي عام 2017، أعطته وزارة الصحة العامة لكل المحافظات. وتتخطى التغطية باللقاح في الإمارات نسبة 90 في المئة، خصوصاً أنه يعطى في المدارس وفي المراكز الصحية.
أما في الكويت والمملكة العربية السعودية فيمكن تلقي اللقاح في مراكز الرعاية الصحية الأولية، كما يعطى في المدراس مجاناً في عمر 13 أو 14 سنة. في البحرين تصل التغطية إلى 94 في المئة ويعطى للذكور والإناث. لكن ما عدا البحرين والكويت، يعطى اللقاح في باقي دول الخليج للفتيات حصراً، وإن كانت التوصيات الحديثة تدعو إلى إعطائه للجنسين"، وفق فاضل.
لبنان... الكلفة هي المشكلة!
على الصعيد اللبناني، تقر فاضل بأن المشكلة الأساسية هي أن اللقاح يعتبر مكلفاً، وكون الدولة لا توفره يصعب توفير تغطية شاملة، كما في دول الخليج، بغض النظر عن المعتقدات السائدة والهواجس المرتبطة به. إذ لم يعد تلقي اللقاح مشكلة اجتماعية أو ترتبط بالثقافة، بل هو مسألة مادية بحتة. مع الإشارة إلى أن اللقاح يعطى في دول الخليج مجاناً للمواطنين حصراً، أما الوافدون فيمكنهم الحصول عليه بأسعار مخفضة. وتبيع الشركة المنتجة اللقاح لكل دولة بسعر مختلف بحسبب الإمكانات المادية. وبالنسبة إلى لبنان، ثمة اتجاه لدعم سعره.
حملات التوعية المجتمعية سبقت حملات التلقيح بعام كامل حتى أدرك الناس أهمية اللقاح في الوقاية من سرطان عنق الرحم للنساء وسرطان البلعوم وغيره من السرطانات للرجل أيضاً. وكان الالتزام الحكومي خطوة أساسية كجزء من الاستراتيجية الوطنية للوقاية من السرطان.
تلقيح عشوائي في لبنان ووعد بحملة وطنية للمرة الأولى
في لبنان، يبدو الوضع مختلفاً تماماً عما هو عليه في دول الخليج. فلم يسبق أن أقيمت حملة وطنية في هذا المجال. وبحسب رئيس قسم الأمراض النسائية والتوليد في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس واستشاري الأورام النسائية الدكتور دافيد عطالله، تغلب العشوائية على المشهد في لبنان، فقد تكون مستويات التلقيح جيدة في فترات معينة وأقل في فترات أخرى بغياب الحملات الوطنية للتوعية والتلقيح. في الوقت نفسه، أعلن أن وزير الصحة العامة بدا متجاوباً معه حيال فكرة إطلاق حملة توعية وتلقيح.
في المقابل، لاحظ عطالله أن الإقبال على إعطاء اللقاح يتزايد في السنوات الأخيرة، ولم تعد هناك هواجس ترتبط بالثقافة والعادات أو بمسألة ارتباط اللقاح أو الفيروس بالعلاقة الجنسية. عموماً، بات الناس يتقبلون فكرة إعطاء اللقاح لأطفالهم، وإن كان البعض يواجه مخاوف من اللقاحات عامةً، خصوصاً بعد جائحة كورونا. لكن لا يزال سعر اللقاح العائق الأساسي بالنسبة إلى كثيرين ما دام لا يلقى الدعم. وتصل كلفة الجرعة الواحدة إلى 200 دولار أميركي في لبنان، وهو يعطى بجرعتين بعد سن 13سنة، فيما يمكن الاكتفاء بجرعة واحدة قبل سن 13 سنة، وهو ما يشجع عليه عطالله.
ولبلوغ مرحلة الوقاية الفاعلة من سرطان عنق الرحم في البلاد، لا بد من إعطاء اللقاح لما لا يقل عن نسبة 60 في المئة من الأطفال من ذكور وإناث.،علماً أن اللقاح يعطى بجرعتين تفصل بينهما مدة 6 أشهر، ما يسمح بتأمين الحماية من سرطان عنق الرحم. لكن حتى في حال الحصول على اللقاح، يجب على المرأة إجراء الفحص الخاص بالفيروس مرتين في حياتها بعمر 35 سنة و45. أما إذا لم تتلق اللقاح في سن مبكرة، فيمكن تلقيه بعمر 25 سنة، إلا أن فاعليته لا تظهر عندها إلا بعد مرور 4 سنوات.
في مصر...حملات توعية وتطعيم مجّاني
تحظى مكافحة فيروس الورم الحليمي في مصر باهتمام واضح يتجلى في تنظيم فعاليات وحملات دورية للتوعية والتطعيم المجاني، نظراً إلى ارتفاع سعر اللقاح. ويُعد ذلك ثمرة جهود متواصلة تبذلها منظمات مجتمع مدني فاعلة بالتعاون مع أجهزة الدولة.وتقول السكرتيرة العامة لـ"الجمعية المصرية لمنظار عنق الرحم" الدكتورة هالة عدلي حسين، في حديث إلى "النهار": "التوعية ضد الفيروس بدأت بجهود مجتمعية، الهدف منها لفت نظر الدولة إلى خطورته، وقامت جمعيتنا بتوقيع بروتوكول تعاون مع اتحاد قيادات المرأة العربية، لنشر الوعي وتأكيد أهمية التطعيم ضده".
ونجحت الجمعية التي تُعد الأولى من نوعها في هذا المجال في مصر في لفت انتباه الدولة إلى خطورة الفيروس المسبب لسرطان عنق الرحم، فأُدرج المرض أخيراً من ضمن "مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية".
خطر داهم
تشكّل الإناث نسبة 48.8 في المئة من سكان مصر، ويُعد الفيروس خطراً داهماً على سلامتهن، إذ إنه واسع الانتشار، وينتقل بمجرد اللمس أو الاتصال الجنسي بشخص مصاب.
وتؤكد وزارة الصحة المصرية أن 99 في المئة من حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم ناتجة من الإصابة بفيروس الورم الحليمي.