الأب أيضاً يكتئب بعد الولادة وحتى قبلها... لماذا وكيف يتجنّب هذه الحالة؟

إكتئاب ما بعد الولادة حالة لطالما ارتبطت بالمرأة عندما تلد، لكونها تتحمل وطأة التغيرات الفيزيولوجية والهرمونية المصاحبة للولادة، لكنّها ليست وحدها، إذ أثبتت الدراسات أنّ حتى الآباء أيضاً قد يمرون بتجربة مماثلة. فوفق منظمة "اليونيسيف"، يُقدر بأنّ حوالى واحد من كل عشرة آباء يُصاب باكتئاب ما بعد الولادة.
الأرقام صادمة!
أظهرت دراسة بعنوان "A prospective study of postnatal depressive symptoms and associated risk factors in first-time fathers"، أنّ معدل انتشار أعراض الاكتئاب لدى الآباء بلغ 13.76في المئة بعد شهرين من الولادة و13.60 في المئة بعد ستة أشهر. وكان الرجال الذين أصيبوا بالاكتئاب أثناء حمل شريكاتهم أكثر عرضة للإصابة به بسبع مرات بعد شهرين من الولادة.
وخلُصت دراسة أخرى بعنوان "Prevalence of prenatal and postpartum depression in fathers: A comprehensive meta-analysis of observational surveys"، إلى أنّ أعلى خطر للإصابة بالاكتئاب لدى الآباء في فترة حمل الأمهات، هو خلال الأشهر الثلاثة الأول من الحمل. واكتئاب ما بعد الولادة كان أعلى لدى الرجال عندما كان عمر الطفل يراوح بين 3 و6 أشهر.
لماذا يكتئب الأب بعد الولادة؟
المعالجة النفسية آن ماري حنا فياض، تشرح في حديث الى "النهار"، أنّ دخول الرجل عندما يصبح أباً حالة اكتئاب هو أمر طبيعي، لكن إذا ما استمرّت لديه أعراض الاكتئاب بعد الولادة لأكثر من أسبوعين، فلا بد من أن يطلب الدعم من اختصاصي".
دائماً ما يتأثّر الرجل بمحيطه وبكلام التشجيع والتحفيز الذي يضع عليه عبئاً نفسياً أكبر ويضعه أمام مسؤولياته. هنا يدخل حالة انعزال وعدم تعبير، لا يتحدّث، إنّما يفضّل الانزواء وعدم البحث عن الحلول المساعدة والمساندة لحالته. وهذه الحالة تفاقمها العوامل الاجتماعية والثقافية، بأن يعتاد على ألّا يعبّر وأن يحافظ على صورة الرجل القوي الذي لا يتأثر.
تفنّد فياض العوامل العديدة التي تقف خلف اكتئاب الأب بعد الولادة كالآتي:
- عوامل نفسية ناتجة من خوف الرجل من ألّا يكون على قدر المسؤولية في لعب دور الأب، فهذا أمر جديد عليه. هناك أسباب نفسية تعود أيضاً إلى طفولة هذا الرجل عندما لم يكن أباه نموذجاً إيجابياً للآباء.
- الأعباء المالية التي تضع الرجل تحت ضغط الخوف من عدم التمكّن من تأمين جميع المستلزمات والنفقات.
- غياب دعم العائلة المساعِدة في إدارة شؤون الطفل خصوصاً في الفترة الأولى.
- استعداد الرجل أساساً للاكتئاب ومروره بحالات اكتئاب سابقة.
- وجود مشاكل زوجية بين الرجل وشريكته وغياب التواصل السليم والتفاهم بينهما.
- انخفاض هرمون التستوستيرون لدى الأب أثناء حمل شريكته وبعده، إذ حتى بنية دماغه قد تتغير مع هذا التغيّر الهرموني.
يتركّز خطر إصابة الرجل باكتئاب ما بعد الولادة مع الطفل الأول بشكل أساسي، تؤكّد فياض، لأنّه يشهد حينها التحوّل الكبير في حياته بأن يصبح أباً للمرة الأولى، وهنا يبدأ بالشعور بالضغط النفسي والتفكير في كيفية تطبيق المثالية في الأبوة، لكن يصطدم بالواقع المليء بالتحديات وبأمور لم يفكر فيها، لأنّه لم يعشها بطبيعة الحال. لكن أيضاً يمكن لحالة الاكتئاب هذه أن تحصل مع كل طفل جديد يُرزق به الرجل، لأنّه سيشهد حينها التراكمات من الإجهاد والضغوط وسيرزح تحت أعباء التفكير في كبر العائلة ومسؤولياتها.
مظاهر مشتركة بأعباء مختلفة!
هناك مظاهر مشتركة بين اكتئاب ما بعد الولادة لدى الأم والأب مثل الأرق، صعوبة النوم، القلق، التعب، والانفصال عن الطفل. لكن ما يختلف، بحسب فياض، هو أنّ الأم تعبّر عن مشاعر الاكتئاب أكثر من الأب، سواء بالبكاء المتكرر، التعب من الاهتمام بالطفل، الغضب من أمور صغيرة. بينما الأب يحتفظ بمشاعره داخلياً ويقوم بما يُسمّى الانسحاب العاطفي والانعزال الاجتماعي، وقد يزيد عمله أو ألعابه الترفيهية مثل ألعاب الفيديو أو النشاطات البدنية لتنفيس غضبه. وهناك رجال قد يشربون الكحول لكي يبتعدوا، نتيجة حالة الاكتئاب هذه.
عموماً، الرجل بطبيعته يتحمّل مسؤولية العائلة، يعيلها ويرعاها، يقوم بالإنجاز والرعاية. هذا ما نعرفه عن دور الرجل عندما ينتقل إلى مرحلة الزواج.
لماذا إذن يتأثر نفسياً إلى هذا الحد عندما يُرزق بمولود؟ ألن يمارس دوره الطبيعي حينها؟ تجيب فياض أنّ هناك صورة نمطية ثقافية عن الرجل بأنّه الشخص القوي الذي يتحمّل المسؤوليات وأنّه لا يتأثر كالمرأة وليست لديه نقاط ضعف. لكن هذه كلّها أحكام مسبَقة، وقد تكون هذه الصورة خطيرة أيضاً بالنسبة الى الرجل لأنّها غير صحيحة وتمنعه من طلب المساعدة المعنوية والنفسية عندما يحتاجها. هذا يؤدي الى أن يشعر الرجل بالذنب وعدم فهم نفسه، وحدوث مشاكل بينه وبين شريكته نتيجة عدم فهم نفسه بينما دوره هو أن يدير المنزل.
كيف ينعكس اكتئاب ما بعد الولادة لدى الأب، على الطفل؟
"حتماً ينعكس سلباً"، وفق فياض، الطفل في أيامه الأولى بعد الولادة يشعر بأمّه وأبيه، ففي هذه المرحلة، يُنسج الرابط الأول بينه وبينهما. أيضاً، عندما يولد الطفل، يستخدم حواسه الخمسة، لاسيما منها الشم والسمع بالمرحلة الأولى ويشم رائحة والديه، لذلك نطلب دائماً من الأهل في حاضنة المواليد الجدد في المستشفى أن يحضنوا مولودهم بشكل أن تلتمس بشراتهم مع بعض لكي يشعر المولود بهما. لذا، إذا ما عانى الأب من الاكتئاب في هذه الفترة، فسيُحرم طفله هذا الإحساس والتواصل.
كذلك، ينصح بأن يتحدث الاهل مع مولودهم وإن كان لا يفهم الكلام إنما يفهم نغمة الصوت ويميزها، فالطفل منذ عمر خمسة أشهر يبدأ بأن يسمع محيطه، وقد أثبتت الدراسات أن المولود منذ ولادته، يميّز صوت أباه تحديداً، فصوت الأم بالنسبة إليه ليس واضحاً في جملة جميع الأصوات التي يسمعها من أحشائها، بينما صوت الأب يكون بغاية الوضوح بالنسبة إليه، وعندما يسمعه يشعره ذلك بالراحة والهدوء، لذا فإنّ التواصل مهم جداً وإذا كان الأب مكتئباً فلن يتواصل.
كذلك، ينصح بأن يتحدّث الأهل مع مولودهم وإن كان لا يفهم الكلام، إنّما يفهم ويميّز نغمة الصوت. فالطفل منذ عمر الخمسة أشهر، يبدأ بأن يسمع محيطه، وقد أثبتت الدراسات أنّ المولود منذ ولادته، يميز صوت أباه تحديداً، فصوت الأم بالنسبة إليه ليس واضحاً بجملة جميع الأصوات التي يسمعها من أحشائها، بينما صوت الأب يكون بغاية الوضوح بالنسبة إليه، وعندما يشعره بالراحة والهدوء. لذا فإنّ التواصل مهم جداً وإذا كان الأب مكتئباً فلن يتواصل.
هل من سبيل لأن يتجنّب الأب اكتئاب ما بعد الولادة؟
بحسب فياض، خلال فترة الحمل، على الأب أن يطّلع حول الأبوة وسلوكياتها وأن يستفسر ليتحضّر نفسياً لهذا التحوّل. كذلك، لا بدّ من أن يتواصل مع شريكته ومع أصدقائه الذين مرّوا بالتجربة نفسها إستعداداً للتحديات المنتظَرة، والتحدث عن مخاوفه. وبعد الولادة، ننصح الأب بنسج الرابط بينه وبين المولود عبر تقديم الرعاية له مثل إطعامه وحمله والغناء له وقت النوم والتحدّث معه، لكسر حاجز هذا التحوّل في حياته. فالمحبة حيال الطفل تكبر مع الوقت، إذ لدى الولادة يكون الأب والولد كائنين غريبين عن بعضهما، لكن مع هذه السلوكيات، يبدأ التعلّق بينهما، وذلك يقي الأب الاكتئاب.