فاطمة صارعت "طيف التوحّد" عند طفلها لتجعل معالجة الحالة قضيّة وطنية

استطاعت فاطمة الصرايرة أن تحوّل معاناتها مع تشخيص طفلها سالم بطيف التوحّد إلى مشروع يعطي الأمل والقوة والصبر لكل أم لديها حالة مشابهة داخل دولة الإمارات التي تولي أهمية كبيرة لهذا الاضطراب ، وتخصّص شهراً كاملاً له يبدأ في مطلع نيسان/ أبريل ويستمر حتى نهايته
عندما كانت في سن الـ19 أنجبت فاطمة سالم. ربما الصدفة قادتها إلى دراسة هذا التخصص قبل أن تدرك أنها ستعيش حالة من حالات مئات الأمهات داخل الدولة، فمنذ ولادته اكتشفت عوارض بطيف التوحد، وفق حديثها إلى "النهار"، تقول: "بدأت ألاحظ وأقارن سلوكيات طفلي بسلوكيات غيره من الأطفال بعد العام الأول من عمره، إذ كان حاد المزاج وعصبياً وكثير الصراخ من دون أن تكون هناك أسباب لذلك، وكان لا يتفاعل معي أو مع المحيط الأسري من حوله، وقليل النوم، وأيضاً كانت لديه بعض الحركات النمطية التي يكررها بيديه، وكان لا يستجيب للنداء باسمه".
لاحظت الأم أولاً عدم تواصله البصري معها، إذ كانت نظراته دائماً متجهة إلى الأعلى، وكان ينطق كلمتين فقط هما بابا وعصير، ولكن بعدها تراجع النطق وأصبح يقول كلمات غير مفهومة، ولا يهتم للألعاب بل يركّز على الأدوات مثل فرشاة الأسنان أو غطاء قارورة المياه، ولم تكن تفهم سبب عدم اكتراثه باللعب واهتمامه بهذه الأدوات البسيطة إلى حين تم تشخيص حالته بطيف التوحّد، تشرح فاطمة.
تضيف الأم: "قرّرتُ مواجهة التوحّد وأن أتكيّف معه بالصبر والعلم. وبناءً على دراستي لنظريات علم النفس التطبيقي وتخصصي في علم النفس ودراسة الماجستير ، جنّدت تخصّصي وجهدي وعلمي لتوعية أولياء أمور الأطفال أصحاب الهمم من هذه الفئة، بهدف مواجهة الأفكار وطرق العلاج غير الدقيقة لاضطراب طيف التوحد من غير المتخصصين"
الانتصار على الحالة الصعبة
حالة سالم الذي يبلغ اليوم 15سنة وهو مختلف لكنه يتحسن ويتطور ، وفق والدته التي توضح أن تشخيص الحالة يمكن وصفه بالشديد إلى الشديد جداً، كما أنه غير ناطق وترافقه إعاقة ذهنية عميقة الأمر الذي يزيد من التحديات والصعوبات للتعامل معه، إلا أنها بدأت تطبيق تعديل السلوك الإنساني والتحليل ما انعكس إيجاباً عليه، إذ تطور سلوكه من خلال التواصل البصري وغير اللفظي، باستخدام لغة الإشارة والصور والموسيقى كعلاج.
ورغم التحديات الصعبه التي يواجهها سالم كونه غير ناطق تماما، يمتلك بعض المواهب مثل غيره من الأطفال أصحاب الهمم الذين برزوا في مجال الرياضة والفنّ والإبداع، فالمراهق حصل على شهادات تقدير في التطور السلوكي والوظيفي والرياضي من جهات متعددة، مثل سفراء الامان لشرطة دبي، فريق شكرا لعطائك التطوعي ومركز "محمد بن راشد للتعليم الخاص" وغيرهما. وتعمل فاطمة على دعمه أكثر كي يكون أفضل.
التجربة الشخصية التي عاشتها فاطمة لم تجعلها منعزلة عن الناس أو أنانية، ولم تتفرّغ لرعاية ابنها وعدم الاكتراث لحالات أطفال آخرين، بل أعطتها القدرة على التطوع من أجل الآخرين فقررت الاشتراك في المنصّة الوطنية للتطوّع "متطوعون. إمارات" منذ أربع سنوات، وقدمت الدعم النفسي والمعنوي لأسر أطفال اضطراب طيف التوحد، إذ وجدت في المنصة فرصة كبيرة للوصول إلى كل شرائح المجتمع، لافتة إلى أن هناك اهتماماً واضحاً من المنصّة بخدمة هذه الفئة ودعمها، وتوفير فرص تطوعية مهمة عبر تشجيع الشباب على التطوع لتعزيز الدمج المجتمعي.
ولم تكتف فاطمة بتلك المبادرة فحسب، بل عملت على خلق مبادرة جديدة تحت عنوان "بيان لاجل امهات التوحد "، هي عبارة عن تجمّع أسبوعي كل نهار أربعاء في أبو ظبي بالاشتراك مع دكتوره شريفه يتيم التي رحبت بالمبادرة يضم عائلات لديها حالات طيف التوحد. وهدف المبادرة تدريب الأهل على كيفية التعاطي مع تلك الحالات ومساعدتهم نفسياً وطبياً ولوجستياً، كما أنه مكان التقاء أطفال طيف التوحد للتعارف وتكوين صداقات، ويشارك في هذا اللقاء الأسبوعي مختصين ودكاترة وخبراء علم اجتماع وبرمجه عصبية وغيرهم لتقديم كل الدعم مجّاناً للأهل والأبناء والتي هي دراسة فاطمة في الماجستير علم الاجتماع مسار الارشاد الأسري