الفوز المتكرّر يعلّم الدماغ السلوك العدوانيّ
طوال عقود، جرى الربط بين مستوى مادة الـ"دوبامين" Dopamine في الدماغ، وبين السلوك الهجومي لدى الذكور. وفي المقابل، لم يجر التركيز على دور الخبرات السابقة مع هذا النوع من السلوك، فبقيت علاقتها مع الدوبامين غير واضحة. ثم تغيّر الوضع مع دراسة جديدة بيّنتْ أنه مع تكرار خبرة الفوز في المنافسات والمواجهات، يصبح دور الدوبامين أقل أهمية في الاندفاع نحو السلوك العدواني، وفق تقرير نشر في موقع مجلة "نيتشر" Natureالعلمية الشهيرة.
طعم الفوز الأول لا يتكرّر
وتجدر الإشارة إلى أن الفئران، تماماً كالبشر، تتنافس من أجل تحقيق مكاسب معينة، وتزداد ثقتها بقدراتها في القتال كلما فازت بمزيد من المواجهات.
وبحسب الدراسة الجديدة، ففي مراحل أولى، يؤدي الدوبامين دوراً جوهرياً في مساعدة الفئران الصغيرة على تنمية سلوك الهجوم والعدوان. ولكن تلك المادة تفقد أهميتها في تحفيز السلوك العدواني، مع تكرار المواجهات والانتصار فيها.
وفي تجربة عرضتها الدراسة، عمل فريق من الباحثين على تعزيز نشاط الدوبامين في أعصاب مناطق معينة في أدمغة الفئران. ولاحظوا أن ذلك أثّر في الذكور التي لا تملك الخبرات، وقد اندفعت إلى السلوك العدواني بضعفي ما يتوقع منها بشكل طبيعي. وفي تلك المراحل نفسها، أدى وقف تنشيط أدمغة ذكور الفئران بالدوبامين إلى انكفائها عن الانخراط في مواجهات مع أندادها، وصولاً إلى امتناعها عن ذلك بالكامل، فصارت تلك الفئران لا تحارب أبداً.
وفيما يُعد السلوك الهجومي فطرياً حينما يظهر ضمن سياق طبيعي، يسهم الدوبامين والخبرات المتأتية من خوض تجارب القتال، بشكل جوهري، في نضج هذا السلوك في مرحلة الرشد.
الفوز حافز على العدوان
وتوجّه العلماء إلى التعمق في فهم آليات عمل الدماغ بشكل أفضل في ما يتعلق بدور الدوبامين في تعلّم السلوك الهجومي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دور الفوز والانتصار في ذلك الشأن نفسه. وتبيّن لهم أن مادة الدوبامين وصلت إلى ذرواتها في الجولات الأولى من المواجهات، وبالتالي، فقد أدّت دوراً حاسماً في التحفيز على السلوك العدواني.
وفي منحىً لم يكن متوقعاً، تبيّن أن الذكور الذين يتكرر فوزهم في المواجهات ويكتسبون خبرات في القتال، لا يعودون بحاجة إلى الدوبامين لتحفيز سلوك العدوان لديهم. ولم تعد مستويات تلك المادة إلى الارتفاع مع خوض المواجهات، ما يعني انفصال السلوك العدواني عن التحفيز الهرموني في أدمغة أولئك الذكور.
ومن اللافت أن الدراسة كشفت عدم نهوض الدوبامين بالدور نفسه لدى الإناث لأنهن لا يتأثرن بمستويات تلك المادة في أدمغتهن، فلا يندفعن إلى سلوكيات عدوانية وهجومية تحت تأثيرها...
وتوحي نتائج هذه الدراسة أن استهداف الدوبامين في الوسائل المعتمدة في علاج السلوكيات العدوانية، قد لا يشكل أداة فاعلة لدى معالجة الأفراد الذين لهم تاريخ طويل مع السلوك العدواني. في ذلك لا بدّ للأطباء من التركيز على تاريخ المريض وعمره وجنسه لمعالجته.
وتأتي نتائج الدراسة لتفسر السبب وراء خفوت تأثير الأدوية المضادة للشيزوفرينيا على المدى الطويل، فيما تُبدي فاعلية كبيرة مع الأصغر سناً. ويبدو أن السلوك العدواني يكون قد رسخ نفسه لدى الراشدين، بمعزل عن مستويات الدوبامين في أدمغتهم.
نبض