الملابس والأزياء تسمح بتعدد الشخصيات في إنسان واحد. وعلى الرغم من بساطة فكرة اللباس والهدف الأساسي المرجو منه بالتستر، ثمة أبعاد كثيرة اجتماعية ونفسية لارتداء الملابس. لذلك، لا عجب في أن تولي العلامات التجارية العالمية المختصة بالألبسة أهمية لهذين الجانبين التسويقيين في منتجاتها. ويعني ذلك أن الميول والتفضيلات التي تطرحها تلك الشركات، توحي بشخصيات متنوعة. 

ووفق دراسة منشورة على موقع "ريسرتش غيت" البحثي بعنوان "التعبير عن الشخصية عبر اللباس"(  Expression of personality through dressing )، إنّ الموضة والملابس ظاهرة تخترق عميقاً الخصائص الجمالية والنفسية للشخص، وبالتالي، فإنها أمر مثير ولا يُقاوم. توفر الموضة إمكانيات عظيمة تتيح للشخص أن يكون شخصاً آخر بمساعدة الملابس أو مستحضرات التجميل أو المكياج. وفيما أهم وظائف الألبسة والأزياء هي تحقيق شعور بالتوازن الروحي، تعمل على تعويض بعض أوجه النقص لدى الشخص، إذ تشكّل وسيلة قوية للتعبير عن شخصيته.

في السياق نفسه، يظهر على موقع "برسوناليتي ريسرتش.أورغ"  المتخصص بالدراسات عن الشخصية، بحث بعنوان "السمات الطبيعية التي تؤثر على البيئة: كيف يؤثر المظهر الجسدي على الشخصية"   Natural Characteristics That Influence Environment: How Physical Appearance Affects Personality . ووفق البحث، فإنّ المظهر الجسدي عامل رئيسي في تطوّر الشخصية، لأن الناس يشكلون آراءهم بناءً على ما يرونه في الشخص جسدياً، ويتفاعلون معه وفقاً لذلك. في المقابل، يميل الناس إلى تلبية التوقعات التي يعتقدون أن الآخرين يحملوها تجاههم. 

كيف يؤثر مظهرك على علاقتك بمحيطك ونفسك؟
الدكتورة سندي الترك- معالِجة نفسية وأستاذة محاضِرة في جامعة الروح القدس الكسليك 

المظهر مهم لأنّه أوّل طريق في التواصل مع الآخرين، ويعبّر عن هويتك وثقافتك وحالتك النفسية. ونحن نحكم على الأشخاص من مظهرهم لأنه يقدّم الانطباع الأول عنهم. وهناك أشخاص يظهر عليهم من لباسهم، إذا كانوا بحالة نفسية جيدة أم سيئة.

على المستوى الاجتماعي، يولي المجتمع اهتماماً كبيراً بالمظهر الخارجي ويمكن ربط ذلك في كثير من الأوقات بالنجاح والكفاءة والجاذبية، وكلّها أمور تجعل من المظهر أمراً مهماً.

ويتأثر المظهر بشكل كبير بثقافة الشخص، فمثلاً يوحي الشخص الذي يرتدي بدلة رسمية بأنه أكثر مهنية، بينما يوحي الشخص الذي يرتدي الملابس اليومية العادية بأنه أكثر إبداعاً. وقد يطلق المحيط الاجتماعي أحكاماً على شخص ما بالاستناد إلى مظهره، حتى حين لا يعبّر الأخير عن شخصيته الحقيقية.

لذا، يؤثر المظهر، بما فيه اللباس وتصفيف الشعر والوجه، على التفاعلات الاجتماعية بشكل كبير.

على المستوى الفردي، يؤثر المظهر في نظرة الشخص لذاته وفي سلوكه، ويساعده على الانتماء إلى مجموعة معينة من الأشخاص ذوي هوية أو توجّه معين، عبر محاكاتها في لباسها ومظهرها وطريقة تعبيرها. ومن ناحية أخرى، يؤثر مظهر الشخص بشكل كبير على إنتاجيته إلى درجة أنه يُنصح لمَن يعملون عن بُعد في منازلهم بأن يرتدوا ملابسهم وكأنهم ذاهبون إلى العمل ليزيد من تحفيزهم وإنتاجيتهم.

المظهر مدخل للعلاقات الاجتماعية

إضافة إلى ما سلف، حينما يشعر الشخص بالرضا عن مظهره، ينعكس ذلك إيجاباً على علاقاته الاجتماعية العامة والشخصية. وقد يشعره ذلك بمزيد من الجرأة والثقة بالنفس والطمأنينة، ويجنّبه الإتيان بما هو سلبي ومضر بهذه الصورة الجميلة التي هو راضٍ عنها. وبالتالي، فقد يهتم بالرياضة والنظام الصحي السليم، لأن إهمالهما ينعكس سلباً على مظهره.

وعلى مستوى تحسين المزاج والرضا عن الذات، من المؤكد أن المظهر المرضي يؤثر بشكل كبير على مزاج صاحبه. ويرجع ذلك إلى أن الاهتمام بالنفس، بجميع أشكاله، يحسّن المزاج ويرفع شعور المرء بجاذبيته الشخصية، ويقلل من شعوره بالقلق الاجتماعي ويزيد من شعوره بالسيطرة على بعض جوانب حياته. وتعمل تلك الأشياء على تعزيز الرضا عن الذات. وكذلك يسهم المظهر الجيد في جعل صاحبه جاهزاً لمواجهة أي موقف صعب قد يتعرض له خلال اليوم.

من سلبيات الاحتفاء الكبير بالمظهر، أنّه يضع الشخص تحت ضغط الحفاظ على هذه الصورة. وإذا ما تخطى التركيز على المظهر حدود المعقول، فقد يتسبب للشخص بالضغط والقلق والتوتر، لا سيما إذا ما ربط رفاهه بمظهره أو قيمته. وكذلك يؤثر المظهر على هوية الفرد، خصوصاً إذا اعتمد مظهراً لا يشبهه ولا يتناسب مع هويته.

واستكمالاً، من المهم إيجاد التوازن في مسألة المظهر. وبالتالي، إن إهمال المظهر لا يفيد. وفي المقابل، قد يؤدي جعله محوراً للحياة الشخصية إلى تحوّله هوساً لا يتوقف. 

وبالنتيجة، لا بد من أن يعبّر  المظهر عن هوية صاحبه وظروفه وعمله. ولعل أهم ما في المظهر هو الاهتمام بالنظافة الشخصية والصحة البدنية. واستناداً إلى ذلك، تكون اللمسة الخاصة بكل شخص أداة تميّزه عن سواه. وقد يظهر ذلك عبر تفصيل أو بعض التفاصيل التي يعتمدها كل منّا، كارتداء ساعة، أو مجوهرات مثلاً. ويجب عدم الانجرار بمعايير المظهر التي تفرضها المجتمعات، مع مراعاة تقبّل الشكل كما هو شرط أن يكون المظهر مرتباً ونظيفاً والشخص راضياً عنه.