جنوب سوريا في قبضة أنابيب الغاز: معركة صامتة على بوابة الطاقة إلى أوروبا

اقتصاد وأعمال 31-12-2025 | 12:13

جنوب سوريا في قبضة أنابيب الغاز: معركة صامتة على بوابة الطاقة إلى أوروبا

جنوب سوريا في قبضة أنابيب الغاز: معركة صامتة على بوابة الطاقة إلى أوروبا
قوات الأمن السورية قرب السويداء، 14 يوليو 2025. (أ ف ب)
Smaller Bigger

شفيق طاهر

تتحول الجغرافيا في جنوب سوريا إلى ساحة مواجهة غير معلنة، حيث لم تعد الحروب تدار بالمدافع، بل بأنابيب الغاز. فالمنطقة الممتدة من درعا إلى القنيطرة والسويداء باتت محورا حيويا في صراع الطاقة الإقليمي، بعدما التقت فوقها خطوط المشاريع الكبرى،  خط "قطر تركيا" الذي أعيد إحياؤه بعد عام 2025، وخط «إيست مِد» الإسرائيلي الذي يربط حقول ليفياثان وتامار بأسواق أوروبا. من يسيطر على هذه الممرات لا يتحكم فقط بتدفق الغاز، بل بإيقاع القرار السياسي في شرق المتوسط.

ممرات تختنق
في أعقاب القرار الأوروبي بإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي بحلول 2027، عاد مشروع خط «قطر تركيا» إلى الطاولة باعتباره بديلا أكثر جدوى من مشروع «إيست مِد» الإسرائيلي. لكن طريق هذا الخط يمر عبر الجنوب السوري، حيث تتقاطع مصالح متناقضة، تركيا وقطر تسعيان إلى تأمين ممر آمن نحو أوروبا، فيما ترى إسرائيل في الخط تهديدا مباشرا لربحية صادراتها ولتفوقها في سوق الطاقة.

حقل ليفياثان وحده يمد أوروبا بأكثر من 13 مليار متر مكعب سنويا، فيما يضيف تامار كميات إضافية عبر «إيست مِد». أي نجاح للمشروع القطري التركي يعني بالضرورة انخفاض أسعار الغاز الإسرائيلي وتراجع مكانة تل أبيب كمزود رئيسي لأوروبا. لذلك، لا تنظر إسرائيل إلى جنوب سوريا كمنطقة حدودية فحسب، بل كصمام يتحكم بمستقبلها الاقتصادي.

 

صورة من الأرشيف لآليات إسرائيلية عند مشارف مدينة القنيطرة السورية (أ.ف.ب)
صورة من الأرشيف لآليات إسرائيلية عند مشارف مدينة القنيطرة السورية (أ.ف.ب)

 

هيمنة بلا دبابات
في هذه الحرب غير المعلنة، تفضل إسرائيل إدارة المعركة بالأدوات المحلية بدل الجيوش. من مواقعها المرتفعة في جبل الشيخ وسلسلة جبال الرحبة، تراقب تحركات الشاحنات والمعدات الثقيلة اللازمة لحفر الأنابيب. وفي السويداء، يعتمد "الحرس الوطني الدرزي" وهو تشكيل شبه مستقل يضم نحو ثلاثة آلاف مقاتل على تمويل مباشر من إسرائيل لفرض حظر التجول وتنفيذ عمليات تفتيش، تحت ذريعة الأمن، ما يعطل أي نشاط لوجستي أو استثماري مرتبط بالمشروع القطري التركي.

بهذه الطريقة، تضمن تل أبيب تعطيل المشاريع المنافسة دون إطلاق رصاصة واحدة، وتبقى بعيدة عن التورط العسكري المباشر الذي قد يثير ردود فعل دولية أو روسية. إنها صيغة جديدة للهيمنة، استخدام الفوضى كأداة، وتحويل هشاشة الأمن إلى سلاح ردع اقتصادي.

من يملك الممر يتحكم بالقرار الأوروبي
إسرائيل تدرك أن السيطرة على الطاقة هي الوجه الجديد للسيادة. فاقتصادها يعتمد بصورة متزايدة على صادرات الغاز التي تمثل أحد أعمدة ميزانيتها الدفاعية. أي مشروع بديل، مثل خط «قطر تركيا»، يهدد ليس فقط الإيرادات، بل أيضا مكانة إسرائيل كمورد موثوق للاتحاد الأوروبي. لذلك تعمل لإعادة تصدير الغاز المسال، وتعزيز عقودها طويلة الأجل مع الشركات الأوروبية لتثبيت موقعها في السوق.

المعادلة بسيطة، طالما بقي الجنوب السوري منطقة مضطربة وغير آمنة، فلن يجرؤ أحد على ضخ استثمارات في مشاريع تمر عبرها. وهكذا يتحول الانقسام السوري، في عيون إسرائيل، إلى خط دفاع إستراتيجي يحمي هيمنتها على ممرات الغاز في شرق المتوسط.

جنوب سوريا اليوم ليس مجرد ساحة نزاع محلي، بل عقدة تتحكم بمستقبل الطاقة في المنطقة. من يملك السيطرة على هذه الجغرافيا يملك مفتاح القرار الأوروبي في ملف الغاز. لذلك تسعى إسرائيل إلى إبقاء الجنوب السوري مشلولا بين الانقسام والفوضى، لتضمن بقاء بوابة الطاقة في يدها. إنها معركة بلا ضجيج، لكنها ترسم حدود النفوذ بأدق مما تفعله الحروب المفتوحة.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
المشرق-العربي 12/30/2025 11:15:00 PM
المرصد السوري يرد على نفي الرئاسة السورية لاطلاق نار في محيط قصر الشعب