احتفالات رأس السنة في بيروت الذهبية... هكذا كانت عاصمة الفرح تستقبل العام الجديد

اقتصاد وأعمال 29-12-2025 | 15:19

احتفالات رأس السنة في بيروت الذهبية... هكذا كانت عاصمة الفرح تستقبل العام الجديد

بيروت محجة السياح في رأس السنة
احتفالات رأس السنة في بيروت الذهبية... هكذا كانت عاصمة الفرح تستقبل العام الجديد
احتفالات رأس السنة في بيروت (أرشيفية).
Smaller Bigger

زياد سامي عيتاني


كانت بيروت في خمسينيات وستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي أكثر من مجرد عاصمة لبنانية؛ كانت حلماً متلألئاً على شواطئ المتوسط، ومنارة للحياة والفن والجمال في المنطقة العربية بأسرها. كانت "باريس الشرق" كما أحب أن يسميها العالم، حيث امتزجت الأصالة العربية بالرقي الأوروبي، وتلاقت الحضارات في مشهد فريد لم يتكرر.

 

الأجواء: ليلة من العمر

الاستعدادات

كانت الاستعدادات لليلة رأس السنة تبدأ قبل أشهر. الفنادق والملاهي كانت تتنافس في تقديم أفخم العروض وأرقى الخدمات. الديكورات كانت تُستورد من أوروبا، والزهور الطازجة تُجلب من هولندا، والطعام والشراب كانا من أجود الأنواع العالمية.

 

ليلة السحر

في تلك الليلة المباركة، كانت بيروت تتحول إلى مدينة من الأضواء والألوان. الشوارع تعج بالسيارات الفاخرة، والناس بملابسهم الرسمية الأنيقة يتجهون إلى أماكن احتفالهم المحجوزة. الأضواء تتلألأ من كل مكان، والموسيقى تنساب من كل زاوية. في منتصف الليل، عندما تدق ساعة الاحتفال، كانت الألعاب النارية تنطلق في سماء بيروت من مختلف المناطق، في مشهد مهيب يخطف الأنفاس.

 

الرقص والغناء

كانت القاعات تمتلئ بالراقصين الذين يتحركون على أنغام الموسيقى الحية. البعض يفضّل الرقص الكلاسيكي الرسمي، والبعض الآخر يستسلم لإيقاعات الموسيقى العربية والتويست والروك أند رول. الجميع يغنون ويهتفون ويحتفلون بقدوم العام الجديد بحماس منقطع النظير.

 

الطعام والشراب

كانت المآدب الفاخرة تُقدّم طوال الليل. من الكافيار والكركند إلى المازة اللبنانية الأصيلة؛ كل شيء كان متوفراً بأفخم أنواعه. الشيفات العالميون كانوا يتنافسون في تقديم أطباق فنية تسرّ العين قبل أن تُبهج الذوق.

 

العروض الفنية سحر لا يُقاوم

كانت بيروت تستضيف كبار نجوم الغناء العربي في ليلة رأس السنة. كلهم غنّوا على مسارح بيروت وملاهيها الليلية، تاركين بصماتهم الخالدة في ذاكرة المدينة.

لم تكن بيروت تكتفي بالفن العربي، بل كانت تستقطب أيضاً نجوماً عالميين من كل أنحاء العالم. فرانك سيناترا، شارل أزنافور، داليدا، إنريكو ماسياس، وكثيرون غيرهم أنعشوا ليالي بيروت بفنهم الراقي.

 

كذلك، كانت الفرق الاستعراضية من باريس وميلانو ولندن تأتي خصيصاً إلى بيروت لتقديم عروضها في ليلة رأس السنة. راقصات الباليه والكورس لاين والأكروبات كانوا يقدمون عروضاً مبهرة تضاهي ما يُقدّم في أرقى مسارح أوروبا.

 

كما كانت بيروت تجلب أفضل الموسيقيين في العالم. فرق كاملة كانت تُستأجر لأشهر فقط للعزف في مختلف الفنادق والملاهي الليلية في موسم رأس السنة، لا سيما فرق الجاز الأميركية والأوركسترات السيمفونية الأوروبية.

 

بيروت محجة السياح في رأس السنة


كان السياح العرب يتدفقون على بيروت بالآلاف، خاصة في موسم رأس السنة. بالنسبة لهم، كانت بيروت نافذة على الحرية والانفتاح، حيث يمكنهم الاستمتاع بما لا يمكنهم الاستمتاع به في بلدانهم. كانوا يحجزون الفنادق والطاولات في المطاعم والملاهي قبل شهور، وكانوا ينفقون ببذخ، مما جعل بيروت مركزاً اقتصادياً مزدهراً.

 

أما السياح الأوروبيون، فقد كانوا يأتون لاكتشاف هذه المدينة الفريدة التي تجمع بين سحر الشرق وراحة الغرب. كانوا يجدون في بيروت كل ما اعتادوا عليه من رفاهية ورقي، مع نكهة شرقية ساحرة لا تُقاوم.

 

كذلك، كان الأميركيون أيضاً من رواد بيروت، خاصة رجال الأعمال والدبلوماسيين والصحفيين. كانت بيروت بالنسبة لهم المدينة العربية الوحيدة التي تشبه المدن الأميركية في انفتاحها وحيويتها، مع طابع خاص فريد.

 

كانت ليالي رأس السنة في بيروت أكثر من مجرد احتفالات؛ كانت تجسيداً لروح مدينة استطاعت أن تجمع بين الأصالة والحداثة، بين الشرق والغرب، في مزيج فريد جعل منها منارة للحضارة والفن في المنطقة. تلك الليالي المتلألئة، بموسيقاها وأضوائها وحيويتها، تبقى شاهدة على حقبة ذهبية عاشتها بيروت، وذكرى حية في قلوب من عاشوها ومن سمع عنها.

 

الفنادق الأسطورية - قصور الضيافة والفخامة


-فندق "سان جورج" - أيقونة الرقي اللبناني
على كورنيش بيروت، كان فندق "سان جورج" يقف شامخاً كرمز للضيافة اللبنانية الأصيلة. افتُتح عام 1932، وأصبح ملتقى رؤساء الدول والفنانين والمشاهير من كل أنحاء العالم. كانت حفلات رأس السنة فيه تُحجز قبل ستة أشهر على الأقل، حيث كان يستضيف أشهر الفرق الموسيقية وعروض الباليه والرقص الاستعراضي. مسبحه الشهير المطل على البحر كان يتحول في ليلة الاحتفال إلى خشبة مسرح مضاءة بآلاف المصابيح الملونة.

 

-فندق "فينيسيا"- البندقية على شواطئ بيروت
بهندسته المعمارية الإيطالية الفريدة، كان فندق "فينيسيا" يأخذ ضيوفه في رحلة إلى البندقية دون مغادرة بيروت. كانت احتفالاته تتميز بالطابع الأوروبي الراقي، مع عشاء فاخر من المطبخ الإيطالي والفرنسي، يتبعه عرض موسيقي كلاسيكي ثم موسيقى الجاز الحية التي تستمر حتى ساعات الفجر الأولى.

 

-سلسلة الفنادق
كذلك، كان كل فندق من الفنادق الأسطورية في بيروت، له شخصيته الخاصة وجمهوره المميز. "لو فيندوم" بفخامته الباريسية، "لكازار" بأجوائه الملكية، "إكسلسيور" بحداثته العصرية، "مارتينيز" بلمساته الإسبانية، "رودين" بأناقته الكلاسيكية، "كادمس" بعراقته" الفينيقية، "لكارلتون" برقيه البريطاني، "بالم بيتش" بأجوائه الاستوائية، "بارلا" و"سيغال" و"ريجينا" و"بيريت"؛ كل واحد منها كان عالماً قائماً بذاته، يقدم تجربة فريدة لا تُنسى.

 

الملاهي الليلية حيث لا ينام الليل


كانت منطقة “الزيتونة” بمثابة القلب النابض للحياة الليلية في بيروت. شوارعها الضيقة المرصوفة بالحجارة كانت تعج بالحياة من غروب الشمس حتى شروقها. هنا، كان يمكنك أن تسمع موسيقى من كل نوع تنساب من الأبواب المفتوحة للملاهي والنوادي الليلية.

 

-"الكيت كات" أسطورة الكباريه اللبناني
كان ملهى “الكيت كات” أشهر الملاهي الليلية في بيروت، مستوحى من النوادي الشهيرة في باريس وبرلين. كان يقدم عروض الكاباريه الفاخرة مع راقصات محترفات يأتين من أوروبا، وفرق موسيقية حية تعزف موسيقى الجاز والسوينغ. كانت طاولاته تُحجز قبل شهور، وكان لباس السهرة إلزامياً للدخول.

 

-"منصور" عرين الطرب الأصيل
في المقابل، كان ملهى "منصور" يقدم الطرب العربي الأصيل في أرقى صوره. هنا كانت تُسمع أصوات كبار المطربين اللبنانيين والعرب، وكان الجمهور يتفاعل مع الموسيقى بحماس منقطع النظير، في جو من الألفة والأصالة العربية.

 

-“Les Caves Du Roi”: (الكهوف الملكية)
بديكوره الفريد الذي يحاكي الكهوف الملكية القديمة، كان هذا الملهى يقدم تجربة سريالية مميزة. أضواؤه الخافتة وموسيقاه الرومانسية جعلته المكان المفضل للأزواج والعشاق الذين يبحثون عن أجواء حميمية راقية.

 

•عين المريسة والسهر على وقع الأمواج
كانت منطقة "عين المريسة" تقدم نوعاً مختلفاً من السهر، حيث تمتزج الموسيقى بصوت الأمواج، وتتلألأ الأضواء على صفحة المياه. الملاهي هنا كانت تتميز بإطلالاتها البحرية الخلابة، حيث يمكن للسهارى أن يراقبوا القمر وهو ينعكس على صفحة البحر بينما يرقصون على أنغام الموسيقى الحية.

 

“Epi-Club” بديكوره العصري الجريء، "Tabo" بأجوائه البوهيمية المحرّرة، "Gardinia" بحدائقه المعلقة المزينة بالورود، "Red" بجرأته وألوانه النارية،  بقاعته الفسيحة المصممة خصيصاً للرقص، "Peacock" المزين بريش الطاووس الملون، "Rotiss" بمشاويه الفاخرة وموسيقاه الحية، "Blue Up" بإطلالته من الطابق العلوي؛ كل منها كان يقدم تجربة فريدة ولا تُنسى.

 

كانت ليالي رأس السنة في بيروت أكثر من مجرد احتفالات بقدوم عام جديد؛ كانت احتفاءً بالحياة نفسها، بالفن، بالجمال، وبروح التعايش والانفتاح التي ميزت المدينة. في تلك الليالي المتلألئة، كانت بيروت تثبت للعالم أنها فعلاً "باريس الشرق"، ليس فقط بفخامة فنادقها وملاهيها، بل بروحها الفريدة التي جمعت بين الأصالة العربية والحداثة الأوروبية في مزيج لم يتكرر.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/27/2025 1:57:00 PM
قوة للجيش الإسرائيلي، مؤلفة من ست آليات عسكرية، دخلت من اتجاه التلول الحمر، مروراً بالمنطقة الواقعة بين بلدتي بيت جن وحضر، وصولاً إلى قرية طرنجة.
المشرق-العربي 12/27/2025 3:25:00 PM
وقعت وزارة الدفاع العراقية في 2024 عقداً مع شركة إيرباص لشراء مروحيات H225M كاراكال، في إطار خطة لتحديث أسطول طيران الجيش وتنويع مصادر التسليح بين الشرق والغرب.​
المشرق-العربي 12/27/2025 4:36:00 PM
صودرت المضبوطات وفق الأصول القانونية المعتمدة، فيما أحيل المقبوض عليه إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه.
المشرق-العربي 12/28/2025 9:46:00 AM
يواجه الفلسطينيون في غزة مأساة إنسانية