الطقس يكشف هشاشة شبكة الكهرباء: تراجع كبير في التغذية... وتدني الانتاج إلى 350 ميغاواط
كشف الانقطاع الشامل للكهرباء خلال اليومين الماضيين هشاشة شبكة الكهرباء في لبنان، بعدما غرقت البلاد مجددا في العتمة إثر انهيارات متكررة خلال أقل من 4 أيام. ليلة أمس وحدها، لامست ساعات التقنين عتبة الـ20 ساعة المتواصلة، في ذروة الحاجة للكهرباء مع اشتداد الأمطار والأجواء الشتوية، وسط غياب أي توضيح رسمي من مؤسسة كهرباء لبنان يشرح أسباب هذا الانقطاع الواسع أو يحدد مسار المعالجة.
3 محاولات متتالية لفرق الصيانة لإعادة الاستقرار لم تصمد طويلا، إذ سرعان ما انهارت الشبكة أمام أول صاعق أو خلل تقني، في مشهد يعكس خللا بنيويا أكثر مما هو حادث طارئ. هذا الواقع يضع علامات استفهام كبيرة حول جدوى الوعود المتكررة بتحسين التغذية وتعزيز الإنتاج، والتي سرعان ما يكذبها الواقع مع كل اختبار مناخي أو تقني.
وإن كانت مصادر مؤسسة كهرباء لبنان أكدت أنها لم تصدر اي بيان كونه "لم يحصل انقطاع شامل بل نوع من "shock" ، بيد أنها اشارت إلى أن العوامل المناخية، ولا سيما الصواعق في منطقة الشمال حدت بالفرق الفنية الى تخفيف ساعات التغذية، مؤكدة أنه تم ربط كل المناطق بالشبكات وعادت الأمور الى طبيعتها".
غير أن مصادر تقنية في قطاع الكهرباء أكدت أن الطقس ليس سوى عامل كاشف لأزمة أعمق، إذ يعود السبب الجوهري لانهيار الشبكة إلى تدني مستوى الإنتاج إلى نحو 350 ميغاواط بعدما كان 650 ميغاواط، وهو مستوى لا يوفر الحد الأدنى من التوازن التشغيلي ولا يسمح بوجود أي هامش أمان تقني.
هذا التدني الحاد في الإنتاج يجعل الشبكة شديدة الهشاشة، بحيث يكفي خروج مجموعة واحدة عن الخدمة أو حدوث عطل بسيط لإحداث انهيار شامل. ويبدو واضحا أن مشكلة الكهرباء مرتبطة مباشرة بنموذج الإدارة والتمويل المعتمد منذ أعوام، وهو ما يلتقي مع تشخيص وزير المال ياسين جابر، الذي يرى أن الأزمة لم تكن يوما تقنية فقط، بل مالية وإدارية في جوهرها.
جابر كان قد شدد في أكثر من تصريح على أن قطاع الكهرباء استنزف الخزينة عبر كلفة الوقود والجباية غير الفعالة، حيث أنفقت عشرات مليارات الدولارات من دون بناء شبكة قادرة على الصمود أو إنتاج مستقر. ومن هذا المنطلق، تفسر سياسة وقف أي تمويل مباشر من الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، باعتبارها محاولة لكسر الحلقة المفرغة بين العجز المالي والانهيار التقني.
أين الهيئة الناظمة؟
ضمن هذا السياق، يندرج التوجه الحكومي نحو إعادة هيكلة شاملة للقطاع، تقوم على تفعيل دور الهيئة الناظمة للكهرباء وإشراك القطاع الخاص في التوليد والتوزيع والجباية، مع الإبقاء على النقل بيد الدولة. هذا الطرح، كما يراه جابر، لا يهدف إلى خصخصة عشوائية، بل إلى معالجة مكمن الخلل الأساسي الذي جعل أي تحسن في الإنتاج مؤقتا وغير قابل للاستدامة.

غير أن المفارقة تكمن في أن الهيئة الناظمة نفسها، التي يفترض أن تشكل حجر الأساس في هذا المسار الإصلاحي، لا تزال غائبة عن المشهد العملي. فعلى الرغم من تعيين أعضائها في أيلول الماضي، لم تصدر عنها أي خطة طوارئ أو مقاربة واضحة لمواكبة الانهيارات المتكررة. مصادر وزارة الطاقة تشير إلى أن الهيئة تعمل بصمت على إعداد أطر تنظيمية للتوزيع والجباية، إلى جانب تحضير نظامها المالي والإداري ومقرها الدائم في بيروت، فيما تستمر الشبكة بالانهيار عند كل ضغط إضافي.
وسط هذا التعثر، تتجاوز العتمة المتكررة بعدها التقني لتتحول إلى جزء من الانهيار المعيشي الشامل. ارتفاع الأسعار، شح المحروقات، تعطل الخدمات الأساسية، وتفاقم الغلاء، كلها أزمات تتضاعف حدتها مع غياب الكهرباء. هكذا يصبح الانقطاع الشامل ليس مجرد خلل في التيار، بل مؤشرا صارخا على أزمة دولة عاجزة عن تأمين أبسط مقومات الحياة لمواطنيها.
ما كشفه انقطاع اليومين الماضيين هو الفجوة العميقة بين التشخيص السياسي للأزمة، كما يطرحه جابر، وبين الواقع التقني اليومي لشبكة تعمل تحت الحد الأدنى من الأمان. فالإصلاحات المطروحة، مهما بدت متكاملة على الورق، تبقى بلا أثر فعلي ما لم تترجم بخطط طوارئ فورية تعالج هشاشة الشبكة الحالية التي تنهار مع كل عاصفة.
نبض