2026 عام الاختبار الخليجي: من التعاون إلى التكامل
في 2026، ستجد دول الخليج نفسها أمام لحظة اختبار ناضجة: هل تكتفي بنجاحات كل دولة على حدة، أم تنتقل إلى مرحلة "القوة المشتركة"، التي تجعل الاقتصاد الخليجي كتلة واحدة في نظر المستثمر والسائح وسلاسل الإمداد العالمية؟ فالمنافسة الدولية لم تعد تُحسم بحجم الإنفاق أو تطور البنية التحتية فحسب، بل بقدرة الاقتصادات على تقليل الاحتكاك بين أسواقها، وتوحيد القواعد، وتقديم تجربة اقتصادية واحدة عابرة للحدود.
في هذا السياق، تبرز قضيتا العملة الخليجية والتأشيرة الخليجية الموحدة اختبارين عمليين لجدية الانتقال من التعاون إلى التكامل، ومدخلين لإعادة تعريف معنى السوق الخليجية المشتركة في عالم يتجه بسرعة نحو التكتلات.
في كل مرحلة مفصلية من تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يعود سؤال التكامل ليُطرح بصيغة جديدة: هل الظروف ناضجة لقفزة جماعية، أم أن الواقعية تفرض الاكتفاء بخطوات جزئية؟ ومع دخولنا في عام 2026، لم يعد السؤال ما إذا كانت هذه المشاريع مرغوبة من حيث المبدأ، بل إذا كانت ممكنة سياسياً واقتصادياً، وهل تمتلك دول الخليج الإرادة لتحويلها من أفكار مؤجلة إلى أدوات قوة حقيقية تؤثر في قرارات الاستثمار والحركة وتدفقات رأس المال؟
استشراف المسار الواقعي يشير إلى أن توحيد العملة الخليجية بالشكل التقليدي لا يبدو مرجحاً في الأمد القريب، بفعل الفوارق في السياسات النقدية وحساسية السيادة. غير أن ذلك لا يعني تجميد المشروع، بل إعادة تعريفه بمسار أكثر براغماتية، يقوم على ربط أنظمة المدفوعات، وتوسيع استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية، وإنشاء منصة تسويات خليجية تقلل تكلفة التحويل وتعزز التجارة البينية، بما يخلق عملياً فضاءً نقدياً مشتركاً من دون المساس بالعملات الوطنية أو باستقلالية القرار النقدي.
في المقابل، تبدو فرص إطلاق التأشيرة الخليجية الموحدة في 2026 أعلى وأكثر واقعية. فقد أثبتت التجربة الخليجية في السياحة وسياحة الأعمال أن العائق لم يعد في الجاذبية أو البنية التحتية، بل في سهولة الحركة بين الدول. وتدعم المؤشرات الرسمية الأحدث هذا الاتجاه؛ إذ أظهرت بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون أن مساهمة قطاع السفر والسياحة في اقتصاد دول المجلس بلغت نحو 247 مليار دولار في 2024، مع نمو ملحوظ في السياحة البينية تجاوز 19 مليون سائح، ما يعكس الأثر الاقتصادي المباشر لأي تسهيل إضافي في التنقل وزيادة مدة الإقامة والإنفاق.
إلا إن تأجيل المضي في أي شكل من أشكال التكامل النقدي أو في إطلاق التأشيرة الموحدة لا يخلو من تكلفة واضحة. فاستمرار تجزئة أنظمة المدفوعات وحركة الأفراد يُبقي تكلفة الأعمال والتنقل أعلى مما ينبغي في سوق يُفترض أنها شبه موحدة، ويحدّ من قدرة الشركات الخليجية على التوسع الإقليمي، ويضعف تنافسية المنطقة مقارنة بتكتلات نجحت في تحويل سهولة الحركة إلى ميزة اقتصادية واستثمارية طويلة الأمد.
وانطلاقاً من هذا الاستشراف، على دول الخليج أن تُدير هاتين المبادرتين بعقل "المنفعة المشتركة"، بإعداد خارطة طريق واقعية تبدأ من المدفوعات والتسويات قبل رمزية العملة، وبالتوازي الإسراع في بناء منصة رقمية موحدة للتأشيرة بمعايير واضحة للبيانات والأمن وتجربة المستخدم، مع إشراك حقيقي للقطاع الخاص لضمان سرعة التنفيذ وتحقيق الأثر.
ويبقى السؤال: هل تختار دول الخليج في 2026 أن تصنع تكلفة أقل للحركة والمال فتربح اقتصاداً أكبر من مجموع اقتصاداتها، أم تبقى هذه المشاريع رهينة المستقبل في لحظة يحتاج فيها العالم إلى تكتلات قادرة على التنفيذ؟
نبض