لماذا ألغت السعودية الرسوم على العمالة الوافدة في المصانع؟... قراءة في مكاسب الاقتصاد
قرّرت السعودية إلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية، المُطبّق منذ 2018 عن كل عامل وافد بحسب نسبة التوطين، فإن كانت العمالة الوافدة عددها أقل من العمالة السعودية يكون المقابل من 300 إلى 700 ريال شهرياً، أما إن كان عددها أعلى من السعوديين فيكون المقابل من 400 إلى 800 ريال شهرياً، فلماذا ألغت المملكة القرار الآن، وما تأثيره على الاقتصاد السعودي؟
يقول أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف ووكيل كلية العلوم الإدارية للتطوير والجودة الدكتور سالم باعجاجة لـ"النهار" إن إلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية يقلل التكلفة التشغيلية؛ ما يجعل المنتجات السعودية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية، ويشجّع على زيادة الإنتاج والتوسّع في الطاقة الاستيعابية.
من المستفيد من القرار؟
ويوضح أن المقابل المالي كان يُستخدم للحد من العمالة الوافدة وتشغيل السعوديين، إلا أن إلغاءه سيقلل من هذا الحافز وبالتالي فإن هذا القرار إيجابي للشركات والمؤسسات الصناعية لخفض تكلفة الأجور.
ورغم أن المملكة تحمّلت هذه الرسوم عن المصانع المرخّصة منذ 2019 حتى نهاية 2025، فإن تحويل الإعفاء إلى إلغاء نهائي يمنح المستثمرين يقيناً تشريعياً ويُحسّن حسابات الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل.
ويتوقع باعجاجة أن يُترجم القرار إلى خفض ملموس في تكاليف الإنتاج، ما يعزز تنافسية الصادرات الصناعية ويدعم مستهدف رفع الصادرات غير النفطية ضمن رؤية 2030.
ويُرجّح أن يُعاد توجيه الوفورات المالية نحو التوسّع، والتحديث التقني، وخلق وظائف جديدة، بما في ذلك وظائف قابلة للتوطين، وهو ما يجعل القرار أداة مزدوجة لدعم النموّ الصناعي وتنويع الاقتصاد في آن واحد.
تحوّل هيكلي في إطار رؤية 2030
وفي السياق نفسه، يقول الخبير والمحلل المالي السعودي عبد الله القحطاني لـ"النهار" إن قرار الحكومة السعودية إلغاء المقابل المالي المفروض سابقاً على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية المرخصة يمثل خطوة ذات دلالة اقتصادية عميقة، خصوصاً إذا ما نُظر إليه في سياق التحول الهيكلي الذي يستهدفه الاقتصاد السعودي ضمن رؤية 2030.
.jpg)
ويوضح أن القطاع الصناعي، وخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كان من أكثر القطاعات تأثراً بتكاليف التشغيل المرتفعة، وكان المقابل المالي على العمالة الوافدة يشكل عبئاً مباشراً على هوامش الربحية والقدرة على التوسع، أما مع إلغاء هذا العبء، فستتحسن كفاءة هذه المنشآت وتزداد قدرتها على إعادة توجيه مواردها نحو زيادة الإنتاج، وتحسين الجودة، والاستثمار في التقنيات والعمليات، وهو ما ينعكس مباشرةً على رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ليس فقط من حيث الحجم بل من حيث القيمة المضافة أيضاً، إذ تصبح هذه الشركات أكثر قدرةً على الاستمرار والنموّ بدلاً من الاكتفاء بالبقاء عند حدود تشغيلية ضيّقة.
الاقتصاد غير النفطي ينتعش
ويكمل الخبير الاقتصادي السعودي أنه من زاوية أوسع، فإن القرار يدعم الاقتصاد غير النفطي عبر تعزيز تنافسية الصناعة الوطنية، إذ يؤدّي انخفاض تكلفة الإنتاج إلى تحسين القدرة التنافسية للمنتجات السعودية في السوق المحلية والأسواق الخارجية على حدّ سواء، و"هذا العامل مهم تحديداً في الصناعات التحويلية التي تعتمد على كثافة العمل، حيث كان فرق التكلفة يمثل عائقاً أمام التوسّع أو التصدير".
ويتابع أنه مع تحسّن التنافسية، تزداد فرص جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى القطاع الصناعي، ويقوى اندماجه في سلاسل الإمداد الإقليمية والعالمية، ما يعزّز مساهمة النشاطات غير النفطية في النموّ الاقتصادي ويقلل من حساسية الاقتصاد لتقلبات أسعار النفط، وهو هدف جوهري من أهداف السياسة الاقتصادية السعودية في المرحلة الحالية.
كيف ستتأثر سوق العمل السعودية؟
أما على صعيد سوق العمل، فيرى القحطاني أن الأثر المتوقع للقرار يتسم بشيء من التوازن والتعقيد في آن واحد، فمن جهة، يؤدّي خفض تكلفة العمالة إلى تشجيع المنشآت الصناعية على التوسّع وزيادة الطاقة الإنتاجية، وهو ما يخلق وظائف إضافية عموماً، سواء للعمالة الوافدة أو للمواطنين.
ومن جهة أخرى، قد يزداد الاعتماد على العمالة الوافدة في بعض الوظائف التشغيلية بسبب انخفاض تكلفتها النسبية، وهو ما يستدعي أن يكون هذا القرار مكملاً، لا بديلاً، لسياسات توطين الوظائف، بحيث يقترن بنهج أكثر تركيزاً على تأهيل السعوديين للوظائف الفنية والتقنية والإشرافية ذات القيمة الأعلى، وفي هذه الحالة، يمكن للقرار أن يسهم في خلق بيئة صناعية أكثر نشاطاً واتساعاً، توفر فرص عمل أكبر للمواطنين على المدى المتوسط والطويل، بدلاً من أن يقتصر أثره على تحسين أوضاع العمالة الوافدة فقط.
نبض