هل من المتوقع استمرار انخفاض أسعار النفط؟ وماذا يعني تباطؤ النمو الاقتصادي لمسار الأسعار؟
تشهد أسواق النفط العالمية مرحلة دقيقة تتسم بتراجع الأسعار وتقلبها، في ظل تداخل عوامل اقتصادية وجيوسياسية متشابكة. ومع تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، يتجدد التساؤل: هل نحن أمام موجة انخفاض مستمرة في أسعار النفط، أم أن ما يحدث لا يتجاوز كونه تصحيحاً مؤقتاً ضمن دورة أوسع؟
هل يقود تباطؤ الاقتصاد وتشدد السياسة النقدية إلى استمرار الضغوط على أسعار النفط؟
خلال الأشهر الأخيرة، تعرضت أسعار النفط لضغوط واضحة نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي في عدد من الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وأوروبا. فتباطؤ النمو يعني تراجع الطلب الصناعي، وانخفاض وتيرة النقل والتصنيع، ما ينعكس مباشرة على استهلاك الطاقة. تاريخياً، يُعد الطلب هو المحرك الأساسي لأسعار النفط، وأي خلل في زخمه ينعكس سريعاً على السوق. إلى جانب العامل الاقتصادي، لعبت السياسة النقدية دوراً محورياً في الضغط على أسعار النفط. فاستمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعاً قلّص شهية الاستثمار، وأضعف النشاط الاقتصادي، كما عزز من قوة الدولار الأميركي، الأمر الذي يجعل النفط أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى، ما يحدّ من الطلب العالمي عليه.
في المقابل، لا يمكن تجاهل جانب العرض.. فرغم محاولات تحالف “أوبك+” إدارة السوق عبر خفض الإنتاج، إلا أن تأثير هذه الخطوات بات محدوداً نسبياً أمام تباطؤ الطلب العالمي. كما ساهمت زيادة إنتاج بعض الدول خارج التحالف، خصوصاً الولايات المتحدة، في خلق وفرة نسبية في المعروض، ما زاد من زخم الهبوط على الأسعار.

هل فقدت العوامل الجيوسياسية قدرتها على دعم أسعار النفط في ظل استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي؟
أما على الصعيد الجيوسياسي، فقد شهدت الأسواق نوعاً من التكيّف مع المخاطر، سواء المتعلقة بالنزاعات الإقليمية أو التوترات السياسية. فبعد فترات طويلة من القلق، أصبحت الأسواق أكثر ميلاً لتسعير المخاطر مسبقاً، ما قلّل من تأثير الأخبار الجيوسياسية على الأسعار مقارنةً بالسنوات السابقة. وبالعودة إلى سؤال تباطؤ النمو الاقتصادي، فإن استمرار هذا التباطؤ قد يدفع أسعار النفط إلى مزيد من الانخفاض أو على الأقل يحدّ من قدرتها على تحقيق ارتفاعات قوية. فضعف النمو يعني طلباً أقل على الطاقة، خصوصاً من القطاعات الصناعية والنقل، وهي من أكبر مستهلكي النفط. ومع غياب محفزات اقتصادية قوية، يصبح من الصعب على الأسعار استعادة مستويات مرتفعة بشكل مستدام.
مع ذلك، من غير المرجح أن نشهد انهياراً حاداً في الأسعار على المدى المتوسط، ما لم يدخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق. فهناك عوامل داعمة تشكل أرضية للأسعار، مثل احتمالات تحسّن النمو في بعض الاقتصادات الناشئة، أو أي تحولات مفاجئة في سياسات الإنتاج، أو تغير في مسار السياسة النقدية العالمية.
وبالنهاية، يؤدي هذا التوازن بين العوامل السلبية والداعمة إلى الحدّ من وتيرة هبوط أسعار النفط، بحيث تبقى التحركات ضمن نطاقات متذبذبة بدلاً من تسجيل انخفاضات حادة! فتحسّن النمو في بعض الاقتصادات الناشئة يساهم في تعويض جزء من ضعف الطلب العالمي، ما يوفر دعماً أساسياً للأسعار. وفي الوقت نفسه، فإن أي تغيّر مفاجئ في سياسات الإنتاج، سواء عبر خفض الإمدادات أو تشديدها، يمكن أن يقلّص المعروض ويدفع الأسعار للاستقرار أو الارتفاع مؤقتاً. أما التحول في مسار السياسة النقدية العالمية، ولا سيما الاتجاه نحو خفض الفائدة، فيُسهم في تنشيط الاقتصاد، وإضعاف الدولار، ما يعزز الطلب على النفط ويمنح الأسعار زخماً إيجابياً تدريجياً.
نبض