أنظار رجال الأعمال نحو سلطنة عمان... أكثر من 1000 شركة لبنانية… وتسهيلات للاستثمار
تشهد العلاقات اللبنانية - العمانية تحولا واضحا نحو مرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي، في ظل رغبة مشتركة لدى بيروت ومسقط في تعزيز الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وقد شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية جوزف عون لسلطنة عمان محطة مفصلية في هذا المسار، لما حملته من دلالات سياسية واقتصادية، تضع أسسا لمسارات تعاون واسعة قد تترجم بمشاريع ملموسة.
فبين رؤية عمانية هادئة وطموحة لتنويع مصادر الدخل، وحاجة لبنانية ملحة إلى شركاء اقتصاديين موثوق بهم، يبدو أن العلاقة بين بيروت ومسقط أمام مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي.
صحيح أن السوق العمانية تعدّ صغيرة مقارنة بدول الخليج الأخرى، إلا أن موقع السلطنة الجغرافي، واستقرارها السياسي، ورؤية قيادتها القائمة على تنويع الاقتصاد والانفتاح المدروس، جعلتها وجهة استثمارية جاذبة لعدد متزايد من الشركات اللبنانية. وفي المقابل، يبحث لبنان، في ظل أزمته الاقتصادية، عن شراكات عربية مستدامة وبيئة آمنة لتوسيع صادراته الصناعية والخدماتية.
من هنا تكتسب زيارة الرئيس عون أهميتها، فهي تأتي في لحظة تحتاج فيها بيروت إلى دعم اقتصادي نوعي، وتبحث فيها مسقط عن شركاء يرفدون خططها في مجالات السياحة والخدمات والصناعات التحويلية والتعليم والتكنولوجيا.
بلغة الأرقام، تشير البيانات التجارية إلى أن التبادل الاقتصادي بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، فقد ارتفع حجمه خلال النصف الأول من عام 2025 بنسبة 29.4% ليبلغ نحو 22.2 مليون دولار. وتجاوز عدد الشركات اللبنانية العاملة في السلطنة 1035 حتى أيلول 2025، برأسمال مستثمر يزيد على 191.5 مليون ريال عماني (نحو 497.9 مليون دولار).
تسهيلات عمانية
يلاحظ رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير أن التعاون الاقتصادي بين البلدين شهد زخما ملموسا بعد جائحة كورونا، حين قاد وفدا لبنانيا كبيرا إلى عمان وحصل على سلسلة من التسهيلات للمستثمرين شملت الإعفاءات الضريبية والإقامة الذهبية وحقوق التملك.
ويكشف لـ"النهار" أنه بعد زيارة الهيئات الاقتصادية للسلطنة، أسس ما بين 15 و20 مستثمرا لبنانيا مصانع هناك، خصوصا تلك التي تستهدف السوقين السعودية والخليجية عبر التصدير، مستفيدين من موقع عمان مركزا لوجيستيا ومن انفتاحها على الاستثمار الصناعي.
ويشدد على "تميز السلطنة باستقرار سياسي وتسهيلات حكومية سخية وإجراءات دخول مبسطة للبنانيين، ما يجعلها بيئة جاذبة للاستثمارات الصناعية"، مشيرا إلى "وجود علامات لبنانية معروفة تعمل في السلطنة منذ سنوات، مثل "باتشي". لكنه يجزم بأن القطاع الصناعي هو الأكثر قابلية للنمو، لقدرته على الاستفادة من التصدير والحوافز العمانية الموجهة للصناعيين الجدد.
نمو هادئ ومدروس
رئيس مجلس الأعمال اللبناني– العماني شادي مسعد، يقدّم من جهته صورة أكثر تفصيلا عن الحضور الاقتصادي اللبناني في السلطنة، كاشفا أن "عدد الشركات اللبنانية يناهز الألف، موزعة على قطاعات متعددة، من التجارة إلى النفط والأمن والصناعة".
ويذكر مسعد مثالا بارزا على الاستثمارات اللبنانية في السلطنة، شركة صاروج للإنشاءات المملوكة للبنانيين سيمون كرم وغازي حلو. ويشير إلى أن عددا من اللبنانيين نال الجنسية العمانية ويساهم بفاعلية في الحياة الاقتصادية هناك.
ويؤكد لـ"النهار" أن "السوق العمانية ليست كبيرة، فالدولة تتجنب التحول إلى نموذج شبيه بدبي، بل تعتمد سياسة نمو هادئ ومدروس. ومع ذلك، حققت تقدما ملحوظا في السياحة والزراعة والصناعة والثروة السمكية، خصوصا مع امتلاكها أطول الشواطئ العربية وإطلالتها الواسعة على المحيط. واضطلع اللبنانيون بدور مهم في القطاع السياحي العماني، سواء عبر الاستثمارات أو التدفق المتزايد للسياح اللبنانيين إلى السلطنة".
أما بالنسبة إلى الاستثمار اللبناني الجديد، فينصح مسعد بالتركيز على الخدمات الاستشارية، خصوصا في ظل المنافسة الشديدة من اليد العاملة ورجال الأعمال الهنود في القطاعات الإنتاجية المنخفضة الكلفة. وعلى الرغم من هذه المنافسة، يكشف أن العمانيين يحبون اللبنانيين ويفضلون المنتج اللبناني. وينقل عن أحد رجال الأعمال استعداده لإنشاء "مول لبنان" في مسقط يضم حصرا منتجات لبنانية، تقديرا للمكانة التي يحتلها الإنتاج اللبناني لدى العمانيين.
نبض