وسط تحولات لافتة تشهدها سياسات جذب الاستثمارات في مصر، تبرز المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كوجهة رئيسية لانطلاق شراكات صناعية إقليمية جديدة، مع استقبالها أول استثمار صناعي قطري، في خطوة تعكس اتساع أفق الاستثمار من مجرد تدفقات مالية إلى شراكات إنتاجية طويلة الأمد.

وتحمل هذه الخطوة دلالات أعمق، إذ تؤكد انتقال الدولة نحو استهداف مشاريع صناعية مستدامة، قادرة على تحقيق عوائد اقتصادية ممتدة، وتعزيز الأبعاد البيئية والاستراتيجية للتنمية الصناعية على المدى الطويل.

تفاصيل المشروع

وفي ترجمة عملية لهذا التوجه، أعلنت الحكومة المصرية في بيان رسمي، توقيع عقد مع شركة "المانع القابضة" القطرية لتنفيذ مشروع بقيمة 200 مليون دولار لإنتاج وقود الطائرات المستدام (SAF) في منطقة السخنة المتكاملة التابعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وشهد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، مراسم توقيع العقد، إلى جانب تأسيس شركة «ساف فلاي ليمتد – SAF Fly» المتخصصة في إنتاج وقود الطيران المستدام، بما يعكس الدعم الحكومي المباشر لهذا النوع من الاستثمارات النوعية.

الطاقة الإنتاجية 

ويأتي هذا المشروع ليجسّد توجّه الدولة نحو استقطاب استثمارات صناعية نوعية، إذ يُعدّ أول استثمار صناعي قطري داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، على مساحة إجمالية تبلغ 100 ألف متر مربع، موزعة بين 70 ألف متر مربع في المنطقة الصناعية و30 ألف متر مربع في ميناء السخنة، بما يعكس تكامله مع البنية اللوجستية للمنطقة.

ومن المنتظر أن تصل الطاقة الإنتاجية السنوية للمشروع إلى 200 ألف طن تشمل منتجات وقود الطائرات المستدام (HVO) والبيوبروبين (BioPropane) والبيونافثا (Bio Naphtha)، والمستخلصة من عملية تكرير زيوت الطعام المستعملة، في خطوة تعزز توجهات الاقتصاد الأخضر والصناعة المستدامة.

جانب من صناعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (وكالات)

عوائد اقتصادية واستراتيجية

وتعقيباً على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الدولي الدكتور علي الإدريسي لـ«النهار»، إن دخول أول استثمار صناعي قطري إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يتجاوز كونه مشروعاً مالياً مباشراً، ليعكس تحوّلاً في فلسفة جذب الاستثمارات في مصر، من التركيز على رأس المال فقط إلى استهداف استثمارات مستدامة ذات قيمة مضافة.

ويؤكد أن المشروع يحقق عوائد مباشرة تتمثل في تدفق استثمارات أجنبية جديدة، وتوفير فرص عمل، وتعميق التصنيع المحلي، وتعزيز الصادرات الصناعية، إلى جانب تقليل الاعتماد على الواردات، بما يدعم الميزان التجاري ويزيد موارد النقد الأجنبي.

ويعزز المشروع جاذبية المنطقة الاقتصادية لمزيد من الاستثمارات الخليجية، وخاصة في القطاعات غير التقليدية، ويحمل دلالة مهمة على تطور العلاقات الاقتصادية المصرية - القطرية نحو شراكات إنتاجية صناعية، تدعم توطين الصناعات الخضراء.

توطيد الشراكات الخليجية

وتؤكد الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس لـ«النهار»، أن جذب الاستثمارات، وخاصة الخضراء، أصبح من أولويات الدولة خلال المرحلة الحالية، لما لها من دور في الحفاظ على البيئة واستغلال الطاقات غير المستغلة في الإنتاج.

وتشير إلى أن التعاون المصري القطري في هذا المشروع يعزز الاستفادة من طاقات كامنة، ويحقق عوائد اقتصادية جيدة، ويوفر فرص عمل، ويدعم تدفقات العملة الأجنبية، بما يسهم في قوة العملة المحلية واستقرارها، كما يسهم في تبادل الخبرات، وتوطيد العلاقات الديبلوماسية، والترويج للمنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس كإحدى ركائز القوة والنموّ للاقتصاد المصري خلال المرحلة الراهنة، ودعم قدرة مصر على استكمال مخططاتها التنموية.

 ويجسّد المشروع نموذجاً متقدماً للاستثمارات النوعية التي تسعى مصر إلى استقطابها، عبر الجمع بين الجدوى الاقتصادية والاستدامة البيئية والشراكات الإقليمية الفاعلة، كما يؤكد أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باتت منصّة محورية لجذب استثمارات صناعية طويلة الأجل.