في وقت تمر أسواق الطاقة بمرحلة تعد الأصعب منذ جائحة كورونا، يتقدم الطلب العالمي على النفط في اتجاه صاعد، مدفوعاً بمتغيرات اقتصادية وجيوسياسية متشابكة، فيما تتداخل توقعات المؤسسات الكبرى من وكالات دولية وبنوك استثمارية ومنظمة أوبك، لتشكل لوحة معقدة لمستقبل الإنتاج والأسعار حتى عام 2026 وما بعده.

ورغم موجة تراجع الأسعار التي ضربت السوق هذا العام، فإن المعطيات تشير إلى استمرار الطلب واتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ما يعيد طرح الأسئلة عن مسار الأسعار وقدرتها على تجاوز الضغوط الحالية.

مسار الطلب 

 وتشير بيانات "وكالة الطاقة الدولية" إلى أن الطلب على النفط ما زال يتحرك باتجاه صاعد، إذ ارتفع من 87.6 مليون برميل يومياً في 2010 إلى 99.2 مليون برميل في 2023، ثم إلى 100 مليون برميل في 2024.

وتقدر الوكالة بلوغه 105.3 ملايين برميل في 2035 وصولاً إلى ذروة محتملة عند 112.8 مليون برميل يومياً بحلول 2050. وهو ما يتوافق مع توقعات مصرف الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس". وترجح الوكالة استمرار نمو الطلب فترة أطول من المتوقع، نتيجة تأخر تقنيات الطاقة المنخفضة الكربون واختناقات البنية التحتية وارتفاع الطلب على الطاقة. وييشير المصرف إلى أن البتروكيماويات ستصبح المحرك الرئيسي للاستهلاك، بعد فترة طويلة من الثبات في الطلب من قطاع النقل البري، مع مساهمة متزايدة لقطاع الطيران.

أحد حقول النفط (وكالات)

توقعات الأسعار

 وشهدت الفترات الأخيرة تسجيل النفط أسوأ أداء سنوي له منذ جائحة كورونا، إذ تُجمع تقديرات "بنك أوف أميركا"، "سيتي غروب"، "غولدمان ساكس"، "جيه بي مورغان تشيس"، و"مورغان ستانلي" على انخفاض عقود "برنت" الآجلة، إلى نحو 59 دولاراً للبرميل في 2026 مقارنة بمستوياتها الحالية قرب 62 دولاراً.

كما يُتوقع أن تواجه السوق فائضاً يُقدر بنحو 2.2 مليون برميل يومياً العام المقبل، مع تجاوز الإنتاج العالمي نمو الطلب، وفقا لتقديرات البنوك.

تحولات في تقديرات المعروض

وللمرة الأولى منذ أشهر، خفضت "وكالة الطاقة الدولية" تقديراتها لفائض المعروض النفطي العالمي خلال العامين الجاري والمقبل، مع تحسن مستويات الطلب وتباطؤ وتيرة نمو الإنتاج، إذ تتوقع الوكالة أن يتجاوز المعروض العالمي الطلب بـ 3.815 ملايين برميل يومياً في 2026، أي أقل بـ231 ألف برميل يومياً من تقديراتها السابقة.

في غضون ذلك رفعت "أوبك" تقديراتها لأسواق النفط العالمية في الربع الثالث من عجز سابق إلى فائض بلغ 500 ألف برميل يومياً، نتيجة ارتفاع الإنتاج الأميركي وزيادة إمدادات المنظمة التي تشير بياناتها إلى استمرار فائض أكثر اعتدالاً في 2026 مع حاجة السوق إلى 42.6 مليون برميل يومياً خلال الربع الأول لموازنة الطلب العالمي، وهو أقل من مستويات الإنتاج في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

نقطة انطلاق

وتعقيباً على ذلك، ترى أستاذة الاقتصاد والطاقة الدكتورة وفاء علي في حديث إلى "النهار"، أن المشهد الحالي ينبئ بأن أسعار النفط "تنتظر نقطة انطلاق حر"، وتضيف أن الخلل في بنية الاقتصاد العالمي وتداخل العوامل المرتبطة بالعرض والطلب والتوترات الجيوسياسية تفرض ضبابية على مسار الأسعار.

وتشير إلى تقارب رؤى "أوبك" و"وكالة الطاقة الدولية" بشأن ارتفاع الطلب بنحو 5% العام المقبل، فيما تبرز "لغة جديدة" في الأسواق تتمثل في سياسة احتجاز سفن الظل كما فعلت الولايات المتحدة مع ناقلة قبالة فنزويلا، ما يثير المخاوف بشأن الإمدادات.

وترجح أن تبقى الأسعار متقلبة إلى حين حسم ملف الحرب الروسية الأوكرانية، ومع تجاوز القواعد الجدلية التي تحكم العرض والطلب، قد يسجل خام برنت ارتفاعاً طفيفاً إذا نشطت وتيرة الاقتصاد عقب خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.

حالة عدم اليقين

كما يؤكد خبير اقتصاديات الطاقة نهاد إسماعيل  لـ"النهار"، أن حالة عدم اليقين تهيمن على المشهد، خصوصاً مع ترقب مسار الحرب الروسية - الأوكرانية واحتمالات رفع العقوبات عن النفط الروسي، ما قد يؤدي إلى زيادة الإمدادات وهبوط الأسعار.

ويحذر من أن الفائض المتوقع في 2026 وفق تقدير "وكالة الطاقة الدولية" البالغ 3.8 ملايين برميل يومياً، سيضغط على الأسعار، مرجحاً بقاء خام برنت قرب 60 دولاراً في الربع الأول من العام المقبل، بينما يتوقع "غولدمان ساكس" سعر 53 دولاراً لخام غرب تكساس.

ويضيف أن التوترات الجيوسياسية والشراء الصيني لبناء المخزونات سيبطئان من هبوط الأسعار، لكن "الخوف الأكبر هو التخمة في السوق".