متقاعدو القطاع الخاصّ ضحايا تعاميم السحوبات المصرفية

اقتصاد وأعمال 11-12-2025 | 09:39

متقاعدو القطاع الخاصّ ضحايا تعاميم السحوبات المصرفية

لا يغيب عن بالنا أن التعميمين رقم 158 و166 يظلّان رغم كل "التعديلات الإيجابية" قاصرَيْن عن تأدية المطلوب، أي إعادة أموال المودعين.
متقاعدو القطاع الخاصّ ضحايا تعاميم السحوبات المصرفية
تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

جورج أبي صالح 

عند صدور تعميمَيْ مصرف لبنان رقم 158 ورقم 166، كان أهم شروط استفادة العملاء من السحوبات النقدية الشهرية من ودائعهم المصرفية أن يكون لدى العميل حساب مصرفي نشط بالعملات الأجنبية قبل 31 تشرين الأول 2019 (التعميم 158) وأن تكون وديعة العميل مكوّنة لدى المصرف قبل 30 حزيران 2023 (التعميم 166). وبالإجمال، اقتصرت التعديلات التي طرأت على هذين التعديلين منذ إصدارهما للمرة الأولى على رفع تدريجي لقيمة السحوبات الشهرية المسموح بها، وأخيراً على إضافة بعض المستفيدين (كالجمعيّات مثلاً).

غير أن ثمّة معياراً اجتماعياً-اقتصادياً سها عن بال مصرف لبنان لدى إعداد هذين التعميمين ولم يأتِ على ذكره أيٌّ من "الخبراء" أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. فالمستفيدون من هذين التعميمين هم مودعون من أصحاب المهن الحرة أو أُجَراء، والأجَراء فئتان: موظفو ومتقاعدو القطاع العام، والعاملون والمتقاعدون في القطاع الخاص. أصحاب المهن الحرة ما زالوا يعملون بأكثريتهم الساحقة، أي إنهم ذوو مداخيل منتظمة، ما عدا في حالات نادرة، والسحوبات النقدية من ودائعهم أو مدّخراتهم المصرفية تأتي كإضافات أو مكمّلات لهذه المداخيل. وكذلك حال موظفي ومتقاعدي القطاع العام (من مدنيّين وعسكريّين تعمل الدولة حالياً على مضاعفة رواتبهم وعلى دفع هذه الرواتب بالدولار الأميركي حفاظاً على قيمتها الشرائية)، والأمر ذاته ينطبق على أُجراء القطاع الخاص الذين ما زالوا يمارسون أعمالهم، ويقبضون رواتب، وإن كانت في معظم الأحيان دون المستويات المطلوبة واللازمة.

تبقى هناك فئة اجتماعية- اقتصادية واحدة لا تقبض رواتب شهرية وليس لديها عموماً أية مداخيل، وهي فئة المتقاعدين من القطاع الخاص. هذه الفئة إما أنها سحبت تعويض نهاية الخدمة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالليرة اللبنانية وأودعته في المصارف كما هو بالعملة الوطنية، فتبخّر وتبدّد معها "القرش الأبيض لليوم الأسود"؛ وإما أنها قبضت هذا التعويض بالليرة اللبنانية وحوّلته إلى الدولار وأودعته في المصارف، باعتبار أنه يقي المتقاعد أو المتقاعدة وشريك أو شريكة الحياة العوز والمذلّة في آخر العمر، حيث ستكون الحاجة إلى الطبابة والدواء والاستشفاء، إضافةً طبعاً إلى بقيّة أبواب الإنفاق المعهودة، أكثر كلفةً بكثير منها في سنوات العمر السابقة. 

المؤسف أن القيّمين على مصرف لبنان، والمحيطين بهم من " الخبراء" فكّروا في تأمين مكمّلات المداخيل لمن لديهم مداخيل، وحرموا الذين ليس لديهم أيّ مدخول من أيّ معاملة خاصة، هم أحوج الناس اليها، كأن تُزاد قيمة سحوباتهم الشهرية بنسبة معيّنة أو بأن يُسمح لهم بسحب مبلغ مقطوع، مرّةً واحدة، إضافةً إلى السحوبات الشهرية المعطاة بموجب التعميمين رقم 158 و166. فهل يظنّ سعادة حاكم مصرف لبنان ونوابه ومستشاروهم أن مواطناً لبنانياً متقاعداً من القطاع الخاص، أي بالمصطلح العلمي عاطلاً عن العمل ويفتقر إلى أيّ دخل، يستطيع العيش، هو وزوجته (علاوة على أولادهما إن كان لا زال لديهما أولاد على عاتقهما، في الجامعة أو من ذوي الحاجات الخاصة!)، بمبلغ 500 دولار شهرياً، لا يكفي لدفع إيجار المنزل وفواتير المياه والكهرباء والهاتف المزدوجة، ولا لشراء الأدوية المنتظمة لأمثالهم وبقيّة النفقات الاستهلاكية؟

لا نظنّ أن عدد هؤلاء سوف يرهق احتياطيّات المركزي وسيولة المصارف، التي يسكن أغلب أصحابها في المنتجعات الأوروبية والأميركية والشقق الفخمة، حيث يتنعّمون برغد العيش من جرّاء الأرباح الخيالية التي حققوها في لبنان وحوّلوها إلى الخارج وتملّكوا فيها أسهماً وعقارات قابلة للتسييل عند الحاجة.

هل يمكن لحاكميّة مصرف لبنان أن تصحّح بعدُ هذا النقص، ولو نسبياً، لا بل هذا الظلم الذي أصاب ويصيب فئة المتقاعدين من القطاع الخاص، الذين ما كانوا ليقعوا ضحاياه اليوم لو اعتمدت الدولة نظام "المعاش التقاعدي" لجميع اللبنانيّين دافعي الضرائب بدلاً من نظام تعويض نهاية الخدمة في القطاع الخاص، والذي أثبت اليوم فشله الذريع. 

في أيّ حال، لا يغيب عن بالنا في النهاية أن التعميمين رقم 158 و166 يظلّان رغم كل "التعديلات الإيجابية" قاصرَيْن عن تأدية المطلوب: أي إعادة أموال المودعين اللبنانيّين، مقيمين وغير مقيمين، وودائع غير اللبنانيّين لدى القطاع المصرفي، الذي يُخطئ القيّمون عليه إذا ظنّوا أن في وسعهم بالحلول الترقيعية التي يسعون إليها وبالتسويات التي ينسجون خيوطها مع شركائهم في السلطة السياسية وبالبدائل التكنولوجية الرقميّة التي يبتكرونها، أن يستعيدوا ثقة المواطن اللبناني والمستثمر العربي بمؤسّساتهم التي أصدر بحقّها القاصي والداني حكماً قاسياً، لا يمكن التخفيف منه إلّا بعد أن يدفعوا أثماناً معقولة ومقبولة لأخطائهم وخطاياهم، لصالح أصحاب الودائع. 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 4:32:00 PM
 الطفلة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، توفيت بسبب البرد القارس بعد أن غمرت المياه خيمة عائلتها في خان يونس جنوب القطاع.
تحقيقات 12/10/2025 8:10:00 AM
يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب...
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:38:00 AM
على خلاف أغلب الدول العربية، لم يحدث أي اتصال بين تونس ودمشق، ولم يُبادر أيٌّ من البلدين بالتواصل مع الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.