مشروع قانون هيئة تثمير أصول الدولة – هتاد: إصلاح، حوكمة، واستثمار للمنفعة العامة
منذ أكثر من خمسة أعوام يعيش لبنان انهياراً مالياً متفاقماً، بما دفع إلى البحث عن حلول بنيوية تعيد الاقتصاد إلى مسار إصلاحي مستدام، بعد أن أثبتت المقاربات التقليدية عجزها عن وقف النزيف. وبين تعثّر الدولة وتراكم الخسائر، يبرز طرح يعيد النظر في دورها المباشر في إدارة أصولها، متحرّراً من منطق "الحيازة العقيمة" الذي طبع عقوداً من سوء الإدارة وتسييس المرافق العامة وأدّى إلى تآكل قيمتها وتضخّم خسائرها.
وسط هذا المشهد، يطرح اقتراح قانون "هيئة تثمير أصول الدولة – هتاد"، الذي قدمه النائب نعمة افرام، نفسه كإحدى الركائز البنيوية ضمن "مشروع وطن الإنسان". ويقوم الاقتراح على نقل إدارة أصول الدولة إلى هيئة مستقلة تعتمد الحوكمة الحديثة والشراكات المنظّمة مع القطاع الخاص، مع الإبقاء على الملكية العامة لهذه الأصول، بما يربط بين إصلاح الإدارة العامة وخلق قنوات استثمارية منتجة تسمح بتعويض جزء من خسائر المودعين.
وتكتسب النقاشات حول الاقتراح أهمية إضافية في ظل تعطل مؤسسات الدولة وغياب قرار إصلاحي موحّد، إذ يقدم المشروع نموذجاً جديداً يتجاوز الجدل التقليدي حول الخصخصة نحو صيغة "التثمير"، التي تتيح خلق قيمة فعلية من الأصول الوطنية بعيداً عن الزبائنية والهيمنة السياسية التي دمّرت بنية الإدارة.
لقاء حول الاقتراح
في هذا السياق، لبت جمعية الإعلاميين الاقتصاديين دعوة النائب نعمة افرام إلى طاولة مستديرة خُصصت لبحث اقتراح قانون "هيئة تثمير أصول الدولة". شارك في اللقاء وفد من الهيئة الإدارية للجمعية برئاسة سابين عويس، وذلك ضمن سلسلة جلسات النقاش التي ينظمها "مشروع وطن الإنسان" تحت عنوان "نحو دولة القوانين"، والتي تُعنى بإشراك خبراء وصحافيين اقتصاديين في تقييم حلول بنيوية مطروحة على طاولة الإصلاح.
استعرض افرام خلال اللقاء جوهر الاقتراح وأسبابه الموجبة، موضحاً أن الأزمة المالية التي انفجرت في لبنان تعود بالأساس إلى استخدام أموال المودعين على مدى سنوات لسدّ العجز المتكرر في الموازنة. وأشار إلى أن الدولة، بدل أن تخلق قيمة مضافة من مؤسساتها، راكمت العجز فيها، فيما حول التسييس الإداري هذه المرافق إلى مؤسسات خاسرة وفاشلة، ما أدى إلى استنزاف الخزينة والقطاع المصرفي معاً.
أهداف "هتاد"
انطلاقاً من هذا التشخيص، شدد افرام على ضرورة تخفيف دور الدولة في الإدارة المباشرة لأصولها ووضعها في إطار "الأمانة" (In trust) عبر هيئة مستقلّة تُدار وفق الحوكمة والمعايير العالمية. وتعمل هذه الهيئة على تأسيس شركات رسملة جديدة تستثمر في هذه الأصول من دون الدخول في الخصخصة أو التفريط بالملكية العامة.
وتحقق "هتاد"، بحسب افرام، ثلاثة أهداف محورية:
رفع مستوى الخدمات العامة عبر إدارتها بكفاءة وبما يواكب حاجات المواطنين.
تحرير المؤسسات العامة من التجاذب السياسي ووقف استخدامها كأدوات زبائنية انتخابية.
خلق فرص استثمارية حقيقية تستقطب رؤوس الأموال وتمنح المودعين فرصة استثمار سنداتهم (التي سيحصلون عليها ضمن قانون الفجوة المالية) في الشركات الجديدة، بما يمكّنهم من استعادة جزء من خسائرهم من خلال أرباح مستدامة.
وأكد افرام أن هذا الاقتراح يشكل "الجواب الأنسب على الانهيار المالي"، لكونه يتكامل عضوياً مع قانون الفجوة المالية ضمن خطة متكاملة تعود بالفائدة على الدولة والمودعين معاً.
مشروع نموذجي على الخط البحري
وكشف افرام عن إعداد جدوى اقتصادية أولية كنموذج تطبيقي لفكرة التثمير، تشمل استثمار ثلاث جزر وطريق بحري بهدف إيجاد حل مستدام لأزمة السير التي ترهق اللبنانيين منذ سنوات. وتعتمد الفكرة على جذب استثمارات محلية وخارجية لفترة تراوح بين 30 و50 عاماً، على أن تعود ملكية المشاريع إلى الدولة عند انتهاء المدة. وخلال هذه السنوات، تُدار المشاريع وفق أنظمة حوكمة حديثة تضمن أرباحاً للمستثمرين والدولة على حد سواء.
وأشار أيضاً إلى أن جذب الاستثمارات العالمية من شأنه تعزيز منعة البنية التحتية الوطنية، والحد من احتمالات استهداف المنشآت الحيوية، بما يوفر للبنان نوعاً من "الحصانة الاقتصادية – الأمنية".
نبض