تتجسد قصة صمود إنسانية واقتصادية في بلدة بتدعي (غربي بعلبك)، حيث نظمت منظمة مالطا لبنان (OML) زيارة ميدانية للتعريف بجهودها المتكاملة ضمن مشروع المساعدات الغذائية المبرمجة للطوارئ (AAP-Emergency)، الذي تدعمه فرنسا.

 لم تكن هذه الزيارة مجرد عرض للمساعدات، بل جاءت لتكشف عن نموذج تنموي يربط ما بين الإغاثة الطارئة ودعم الزراعة المحلية المستدامة، مع التركيز بشكل خاص على دور صناديق الطعام ذات القيمة الغذائية العالية والمركز الزراعي الإنساني المتخصص بإنتاج الزيوت العطرية.

استُهلّت الزيارة بكلمة لكل من المديرة التنفيذية للمنظمة، ليليا الخازن ملاط، ، ومدير القسم الزراعي في المنظمة المهندس عادل غندور، اللذين قدما لمحة شاملة عن عمل المنظمة وأهدافها في تعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

صناديق الأمل: إغاثة مُتأصلة في الأرض اللبنانية

في خضم الأزمات المتلاحقة وحرب عام 2024، تحول مشروع المساعدات الغذائية (AAP) إلى أداة إغاثية حاسمة. لم يقتصر التدخل على توفير الوجبات الساخنة، بل تميز بالتركيز على توزيع صناديق طعام، اشُتريت محتوياتها بالكامل من المنتجات المحلية ذات القيمة الغذائية العالية. هذه الخطوة لم تضمن غذاءً مواتياً ومغذّياً فحسب، بل حققت هدفاً أعمق: دعم الاقتصاد الزراعي اللبناني.

وقد عكست أصوات المستفيدين الأثر المباشر لهذا الدعم. رواند، وهي أم لثلاثة أطفال من قرية شعت في البقاع الشمالي، عبّرت عن فرحتها قائلة: "كان هذا الصندوق عوناً كبيراً لي... سعدت بحصولي على زجاجة زيت الزيتون. سعره مرتفع هذه الأيام. لقد كان بمثابة متعة حقيقية لي ولأطفالي".

 كذلك تحدثت سهير من بلدة إيعات - قضاء بعلبك عن محتوى الصندوق، مشيرة إلى أنه "طعام تقليدي، وهو مفيد لصحتنا. قدموا لنا الفريكة والبرغل والحمص ودبس الخروب وورق العنب وزيت الزيتون".

تواصل المنظمة حتى اليوم توزيع هذه الصناديق، حيث بلغ عدد الصناديق الموزعة 7,150 ضمن مشروع الطوارئ، مؤكدة على أن الحلول تبدأ من تعزيز الأمن الغذائي والكرامة.

المركز الزراعي الإنساني: منقذ المزارع الصغير وتصنيع الزيوت العطرية

يشكل المركز الزراعي الإنساني التابع للمنظمة في بتدعي، بالشراكة مع الرهبانية اللبنانية المارونية، جوهر الرؤية طويلة الأمد للمنظمة.

 هذا المركز هو "المشروع النموذجي الأول في منطقة دير الأحمر والبقاع الشمالي"، بحسب رئيس بلدية بتدعي المحامي جان فخري، الذي أشاد لـ "النهار" بعمل المنظمة قائلاً: "عمل منظمة مالطا لبنان استثنائي، فمركزهم الزراعي يدعم تنمية المنطقة بأكملها، ووجودهم يُساعد المزارعين في المناطق الريفية على البقاء في أراضيهم". كذلك أشار إلى أن المشروع جاء ليحلّ مشكلة كبيرة على الصعيد الزراعي من خلال التحول إلى "تصنيع وتسويق" المنتجات.

وقد أكد الأب شربل كيروز، ممثل الرهبانية اللبنانية المارونية، على أهمية الشراكة لخدمة المجتمع، قائلاً: "لفتني شيء جميل أن هناك إنساناً يخدم إنساناً آخر... فقامت الرهبنة بهذه الصلة بأن نساعد بعضنا البعض، وأن نخدم بعضنا البعض، وأن نضع هذه الأرض لخدمة هذه المنطقة".

أحد أبرز ملامح المركز هو معمل استخلاص الزيوت العطرية، ووحدات التوضيب ومعالجة ما بعد القطاف. لقد سلّط رئيس بلدية عيناتا، المحامي ميشال رحمة، الضوء على أهمية هذا التطور، مشيراً إلى أن المركز يضيء على "زراعات مهمة مثل الزراعات العطرية"، ويوفر "الحلقة المتكاملة للمزارع"، حيث تمكنت بلدية عيناتا من إطلاق أول حقل تجريبي لنبتة "اللافندر" تمهيداً لإنتاج الزيوت.

 تعزيز الصمود والشراكة

وأوضحت أميمة فرح، مديرة التنمية والتواصل في المنظمة، بأن المراكز الزراعية الإنسانية "قائمة على الاستماع إلى المجتمعات" لضمان أن تكون الحلول "أكثر فاعلية واستدامة"، مؤكدة أنهم يدعمون المزارعين الصغار في كل شيء "إن كان بالتدريب والتحويل من البذور إلى شتول، وإن كان من تعليب للمنتجات، فكل هذا الشيء كي نقدر على مواكبة المزارع الصغير، فنشجعه على أن يترسخ في أرضه".

وفي سياق الدعم الدولي، أشاد المستشار الإعلامي في السفارة الفرنسية، مروان الطيبي، بـ "أهمية التعاون ووقوف فرنسا إلى جانب لبنان في جميع القطاعات"، مشيداً بمعرفة منظمة مالطا لبنان "الدقيقة بالأمور والأرض والوضع القائم عند المزارعين"، ما يضمن وصول التمويل إلى "أقرب نقطة من المزارع" وتحقيق استفادة حقيقية وعملية.

إن مشروع المساعدات الغذائية المبرمجة للطوارئ (AAP-Emergency) يمثل رؤية شاملة للمستقبل اللبناني، حيث تتكامل الإغاثة مع التنمية الاقتصادية، وتُعلي من قيمة المنتج المحلي والجودة الغذائية، وتعمل على تجذير المزارعين في أرضهم لضمان استدامة الأمن الغذائي.