النفط بين رصاص السياسة وميزان الأساسيات: برنت حول 63 دولارًا يترقّب إشارة من واشنطن وموسكو وكراكاس
النفط بين رصاص السياسة وميزان الأساسيات: برنت حول 63 دولارًا يترقّب إشارة من واشنطن وموسكو وكراكاس.
في جلسات هادئة ظاهريًّا ومتوترة في العمق، استقرّت أسعار النفط قرب قيعانها الأخيرة فيما يتقاطع على الشاشة سيل من العناوين: تلميحات إلى نافذة تفاوض لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، خطاب أميركي أكثر حدّة تجاه فنزويلا، وقرار من «أوبك» بإبقاء الإنتاج ثابتًا في الربع الأول من 2026. النتيجة المباشرة كانت مزيجًا من علاوة مخاطر سياسية ترفع الكفة قليلًا، وضغط أساسي من وفرة الإمدادات يُعيدها إلى الاتزان. هكذا دار برنت دون 63 دولارًا للبرميل، وتحرّك غربي تكساس قرب 59 دولارًا، في سوقٍ يبدو أنه يختبر هامش حركة ضيقًا إلى أن تتضح إشارة الاتجاه اللاحقة.
مسرح الجغرافيا السياسية: هدنة محتملة في أوكرانيا وتوتّر كاريبي يضيف علاوة سعر
على الجبهة الأوروبية، خرجت تصريحات عن لقاء «كان جيدًا بشكل معقول» بين مبعوث البيت الأبيض والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع إقرار بأن المسار لا يزال غير مضمون. أيّ فتح لطريق تهدئة في أوكرانيا يحمل نظريًّا أثرًا هبوطيًّا على الأسعار عبر تقليص مخاطر تعطّل الإمدادات الروسية أو البنى التحتية ذات الصلة. في المقابل، صعّد الرئيس الأميركي لهجته تجاه فنزويلا معلنًا الاستعداد لتوجيه ضربات ضد عصابات المخدرات "على حد تعبيره" مع حشدٍ عسكري في المحيط. ذلك يُضيف علاوة مخاطر فورية إلى تسعير الخام، لكنها تبقى محكومة بسؤال القدرة على ترجمة الوعيد إلى إجراءات تمتد أثرًا إلى تدفقات النفط. حتى الآن، الأسواق تُسعّر الاحتمال أكثر مما تُسعّر أثرًا محققًا، فتوازن المخاطرة السياسية لا يزال هشًّا لكنه غير كاسر لاتجاه أساسي.
الإمدادات الروسية بين العناوين والواقع: تعطل محدود في قزوين
أشعلت هجمات مسيّرة أوكرانية على أصول روسية المخاوف لبضع جلسات، لكن التدقيق التشغيلي خفّض الحرارة. اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين أعلن تضرّر إحدى نقاط الإرساء في محطة نوفوروسيسك وتوقفًا موقتًا، غير أن "شيفرون" أوضحت بأن عمليات التحميل مستمرة عادة عبر مرسيين اثنين، وأن الثالث احتياطي. المحصلة أن المخاطر موجودة، لكن أثرها المُتحقق على التدفقات الفعلية ظل محدودًا حتى الآن، ما قيّد قدرة هذه العناوين على صناعة اتجاه سعريّ مستقلّ.
ميزان العرض والطلب: وفرة تُثبت سقف الأسعار
خارج الضجيج السياسي، ثبّتت منظمة البلدان المصدرة للنفط مستويات الإنتاج للربع الأول من 2026، مع رسالة واضحة عن نهجٍ حذر ومرونة كاملة لإبقاء التعهدات الطوعيّة أو التراجع عنها عند الحاجة. هذه اللغة لا تُضيف براميل جديدة، لكنها تُضيف «اختيارًا» إلى طاولة الإدارة، فتؤطر التوقعات وتُطمئن بأن المنظمة مستعدة لمعادلة أي انزياح مفاجئ في الطلب أو العرض. تتكلم الأرقام بلغةٍ أبرد. أوبك+ أعادت جزءًا معتبرًا من الإنتاج المعطل (التخفيض الطوعي) إلى السوق هذا العام، فيما واصل المنتجون خارج التحالف توسيع الإمدادات. على الأرض الأميركية، ارتفعت مخزونات الخام بـ 574 ألف برميل في الأسبوع الأخير، وزادت مخزونات البنزين ونواتج التقطير كذلك، ما ينبئ بتوازن أكثر رخاوة في جانب الطلب النهائي. على هذا الأساس، وبصرف النظر عن اختلاف تقديرات الطلب، يظل المعروض كبيرًا، والاتجاه الأسهل للأسعار هو الانخفاض، إذا لم يظهر محفّز داعم. هذه الرؤية قد تجد صداها في تسعير المنحنيات الآجلة الذي فقد جزءًا من دفعة الشحّ السابقة، وفي شهية تحوّط أعلى كلما اقترب السعر من مقاومة سعرية.
الصين من محرك دعم إلى محرك حذر
الدعم الدوري الذي قدمته الصين في مراحل سابقة خفّ بوضوح. تقدّر قيادات في صناعة التكرير والبتروكيماويات أن الطلب الصيني سيبقى ضعيفًا حتى منتصف 2026 على الأقل. هذا التحوّل مهم لأنّه يبدّل وظيفة آسيا من ممتصّ صدمات إلى ناقل ضغط نحو السوق الفورية، خصوصًا مع معدلات تشغيل أبطأ في بعض المجمعات، وحيّز استيراد أضيق للمصافي المستقلّة. النتيجة أن كل دفقة تفاؤل عالمية تصطدم سريعًا بجدارٍ آسيويّ أكثر انكماشًا خلف جدار التصنيع.

أين يذهب السعر من هنا؟
في الأمد القريب، يبدو السوق عالقًا في شدٍّ وجذبٍ واضحين: أي تسارع ملموس في مسار تهدئة أوكرانيا أو استمرار انسيابية «قزوين» سيقضم علاوة المخاطر، بينما أيّ تصعيد قابل للترجمة في الكاريبي أو تضييق فعلي على الإمدادات الروسية قادر على دفع النطاق صعودًا. داخل هذا الإطار، تبقى المؤشرات التشغيلية هي الحكم: مسار المخزونات الأميركية، إشارات الطلب على البنزين والديزل، تحديثات «أوبك+» حول الالتزام، ومؤشرات الطلب الآسيوي. وحتى تتضح هذه الإشارات، يظل نطاق 59–64 دولارًا مساحة اختبار وليست منصة انطلاق حتى نهاية 2025.
ما الذي يستحق المتابعة الدقيقة؟
الأسواق ستراقب قرار البيت الأبيض بشأن فنزويلا، سواء أتّخذ شكلًا جوّيًا ممتدًا أو مساسًا بمنظومة التصدير. ستترقب كذلك أيّ تقدمٍ قابل للقياس في مسار وقف إطلاق النار في أوكرانيا وما إذا كان سيقود إلى خفضٍ مستدام لعلاوة المخاطر. من الناحية الفنية، سيبقى الهيكل الزمني لبرنت وغربي تكساس مرآةً لمعادلة الشحّ، وأي اتساع في الفوارق الزمنية نحو التراجع سيُشير إلى تراكم براميل زائدة. وفي الخلفية، يظل الطلب الصيني العامل الأثقل وزنًا على المدى المتوسط؛ إن تبدّلت نبرته قبل منتصف 2026، فعندها فقط يمكن للسوق أن يتحدث بثقة عن قاعٍ دوريّ صلب.
رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي
نبض