هل سيواصل الدولار تراجعه هذا الأسبوع؟
تراجع الدولار الأميركي ليس مجرد حركة عابرة أو اهتزاز موقت في معنويات المستثمرين، بل هو انعكاس واضح لمزيج من تغيّرات السياسة النقدية العالمية، وتحوّلات في توقعات الفائدة، وضغوط اقتصادية باتت تثقل كاهل العملة. ومع اتجاه الدولار نحو تسجيل أكبر خسارة أسبوعية في أربعة أشهر، يعود التركيز اليوم إلى فهم ما يحدث بين العملات الرئيسية، وما الذي يدفع الدولار إلى هذا المسار الضعيف مقارنة ببداية العام حين كان عند مستويات 109، في مقابل اقترابه الآن من 99.
كيف تفاعل أبرز العملات الرئيسية مع موجة ضعف الدولار؟
خلال التعاملات الآسيوية، كان الين الياباني أبرز المستفيدين، إذ ارتفع بنحو 0.4% إلى 155.87 للدولار. هذا الارتفاع جاء في ظل نبرة أكثر تشدداً من مسؤولي بنك اليابان، ما أعاد الى الين بعض القوة التي افتقدها لمدة طويلة. وفي أوروبا، نجح اليورو في تجاوز مستوى 1.16 دولار، مستفيداً من تراجع العملة الأميركية وضعف العوائد على السندات الأميركية.
أما الدولار النيوزيلندي، فقد خطف الأضواء بقوة بعد عودة صعوده إلى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع عند 0.5728 دولار. على رغم قيام البنك المركزي بخفض الفائدة، إلا أن الأسواق التقطت الرسائل الأكثر أهمية: دورة التيسير ربما انتهت، والمركزي يناقش خيار تثبيت الفائدة أو حتى رفعها لاحقاً، ما دفع العملة الى تحقيق مكاسب تقارب 2% منذ أمس.
كذلك ارتفع الدولار الأسترالي مدفوعاً ببيانات التضخم التي جاءت أعلى من المتوقع، ما عزز الرؤية بأن دورة التيسير هناك وصلت الى نهايتها أيضاً. وفي آسيا، استقر اليوان عند 7.08 في مقابل الدولار، مع استمرار دعم البنك المركزي عبر آلية التثبيت اليومية. أما الجنيه الإسترليني، فقد صعد إلى 1.3265 دولار، وهو أعلى مستوى في شهر، بدعم من ميزانية بريطانيا التي هدّأت المخاوف المالية ودفعت العملة الى أقوى أسبوع منذ آبأغسطس.
هل يعكس تراجع الدولار تسعير الأسواق لخفض الفائدة؟
مع استقرار مؤشر الدولار قرب 99.433 بعدما انخفض من أعلى مستوى في ستة أشهر، يبرز السؤال الأكثر أهمية: هل الأسواق بدأت فعلاً تسعّر دورة خفض الفائدة القادمة؟ عندما ينخفض الدولار من 109 في بداية العام إلى مستويات قريبة من 99 في نهايته، لا يمكن تجاهل أن المستثمرين يضعون توقعات قوية بأن الاحتياطي الفيدرالي بات أقرب إلى التيسير، حتى لو لم يعلن ذلك صراحة.
تراجع العوائد على السندات الأميركية، وتزايد رهانات خفض الفائدة خلال العام المقبل، خلقا بيئة ضاغطة على الدولار لمصلحة العملات ذات السياسات الأقل تشدداً أو الأكثر تشدداً في هذه المرحلة. ومع كل قراءة تضخم أضعف أو بيانات تباطؤ اقتصادي، يتعمق اعتقاد المستثمرين أن ذروة التشديد كانت خلفنا، وأن القادم هو مرحلة تراجع تدريجي في الفائدة.
أم أن الضغوط الاقتصادية هي المحرك الحقيقي لهذا الهبوط؟
في المقابل، لا يمكن إنكار التأثير الكبير للمعطيات الاقتصادية التي بدأت تصبّ في غير مصلحة الدولار. عبء الدين الأميركي المتصاعد، وتزايد الحديث حول فجوة التمويل والعجز، إضافة إلى بيانات جاءت ضعيفة في بعض القطاعات الحساسة، مثل مبيعات التجزئة والإنتاج كلها عوامل تقلل شهية المستثمرين للاحتفاظ بالدولار كملاذ أول.
فحتى في غياب خفض فوري للفائدة، تكفي الإشارات السلبية لخلق موجة بيع، خصوصاً مع ارتفاع قوة العملات المنافسة التي بدأت تستعيد مكانتها مع تحسن سياساتها الداخلية. ومع دخول الأسواق مرحلة جديدة، أصبحت الصورة أوضح: الدولار يتعرض لضغط مزدوج توقعات التيسير من جهة، وتدهور بعض المؤشرات الاقتصادية من جهة أخرى.

أي تفسير يبدو أقرب للواقع؟
الحقيقة أن تراجع الدولار ليس نتيجة عامل واحد، بل تفاعل بين سيناريوهين: الأسواق بالفعل بدأت تسبق الفdدرالي في تسعير خفض الفائدة، وفي الوقت نفسه، تتزايد الإشارات على أن الاقتصاد الأميركي لم يعد يسير بالوتيرة ذاتها التي كانت تمنح الدولار دعماً استثنائياً.
وبذلك، يصبح التراجع من 109 إلى 99 نتيجة طبيعية لمرحلة انتقالية يعيشها الاقتصاد العالمي مرحلة تتحول فيها القيادة النقدية بين البنوك المركزية، وتعيد فيها العملات الكبرى توزيع أدوار القوة، بينما يبقى الدولار في مواجهة مع معطيات سياسية ومالية واقتصادية تحتاج وقتاً لاستعادة الزخم.
نبض