كيفين هاست إلى الواجهة: اختبار لاستقلال الفيدرالي… وخريطة جديدة للسياسة النقدية

اقتصاد وأعمال 28-11-2025 | 16:04

كيفين هاست إلى الواجهة: اختبار لاستقلال الفيدرالي… وخريطة جديدة للسياسة النقدية

هاست اقتصادي محافظ الطابع، عرفه العالم الأكاديمي باحثاً في "أميركان إنتربرايز"، ثم دخل البيت الأبيض رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين بين 2017 و2019.
كيفين هاست إلى الواجهة: اختبار لاستقلال الفيدرالي… وخريطة جديدة للسياسة النقدية
كيفين هاست (وكالات)
Smaller Bigger

بين إشارات البيت الأبيض وتسريبات وول ستريت، يتقدّم اسم كيفين هاست ليصبح المرشح الأوفر حظاً لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ليس الأمر مجرّد تسمية محتملة في لحظة فراغ؛ بل انعطافة سياسية ونقدية تحمل تبعات مباشرة على عوائد السندات، وعلى توقيت دورة خفض أسعار الفائدة، وعلى تعريف الأميركيين باستقلالية الفيدرالي نفسه. خلال الأسابيع الأخيرة تعزّزت التوقعات عبر تقارير متعددة ومراهنات علنية في أسواق التنبؤات، لتضع هاست في مركز المشهد، فيما تتعامل الأسواق مع احتمال تعيين رسمي قبل عطلة الميلاد، ومع حقيقة أن ولاية جيروم باول تنتهي في أيار/ مايو 2026، ما يضغط الزمن ويكثف حسابات العائد والمخاطرة في كل قاعة تداول.

 

سيرة اقتصاد سياسي: من "داو 36 ألف" إلى غرفة صنع القرار
هاست اقتصادي محافظ الطابع، عرفه العالم الأكاديمي باحثاً في "أميركان إنتربرايز"، ثم دخل البيت الأبيض رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين بين 2017 و2019، قبل أن يعود في 2025 مديراً للمجلس الاقتصادي الوطني. هو رجل أرقام لكنه أيضاً رجل رسائل سياسية، كتب ــ بالاشتراك مع غلاسمان ــ كتاب "داو 36 ألف"؛ وهو عنوان لا يزال يُستحضر كلما ارتفعت شهية المخاطرة أو تذكّر المستثمرون قسوة دورات التصحيح للمؤشرات وحين وصول مؤشر داو جونز إلى مستوى 36 ألف في 2021. هذا المزيج بين خلفية بحثية محافظة وتجربة تنفيذية لصيقة بالرئاسة، يفسّر لماذا ينظر إليه التيار المؤيّد للنمو كوجه قادر على تسريع المحفّزات عند الحاجة، من دون أن يقطع حبال الخطاب الحذر حول الانضباط السعري.

 

أين يقف هاست من الفائدة والتضخم؟ خفض أسرع… واستقلالية معلنة
في مقابلاته الأخيرة لمّح هاست إلى أنه سيقبل المنصب إذا عُرض عليه، وعبّر بوضوح عن تفضيله مسار خفض أسرع للفائدة مقارنةً بما تحبّذه الأصوات الأكثر تشدداً داخل اللجنة، وهي إشارات قرأتها الأسواق على أنها انحياز لحماية سوق العمل وتخفيف ضغوط التمويل قبل أن تتصلّب تباطؤات النمو. بالتوازي، شدد على أن الفيدرالي يجب أن يبقى مستقلاً عن الإملاءات السياسية، وهو تعهّد لفظي مهم في لحظة يتصاعد فيها الجدل حول حدود سلطة البيت الأبيض على تشكيل اللجنة وتوجيه بوصلتها. هذا الازدواج بين ميل تيسيري معلن ودفاع عن الاستقلالية سيصبح معيار الحكم على ولايته إن مضى الترشيح قُدماً...

 

كيفين هاست (وكالات)
كيفين هاست (وكالات)

 

 

طريق التسمية: تقويم ضاغط وسيناريو مصادقة معقّد
تتحدث التقارير عن رغبة في حسم اسم الرئيس المقبل للفيدرالي قبل نهاية العام، لتأمين انتقال ناعم قبل استحقاق أيار 2026. لكن الطريق ليس خالياً: جلسات استماع، حسابات غالبية في مجلس الشيوخ، ومساومات برنامجية ستفتح ملفات من نوع هدف التضخم ذاته، وحدود استخدام الموازنة العمومية، وإشراف الفيدرالي على البنوك في ضوء دروس الأعوام الثلاثة الماضية. بكلام آخر، معركة التعيين قد تتحوّل سريعاً إلى نقاش علني حول تفويض الفيدرالي ومهمته في عقدٍ تضخمي متقلب.

 

كيف قرأت الأسواق الاسم؟  
على مستوى الاحتمال البحت، رفعت أسواق التنبؤ ــ كالسوقين (كالشي وبولي ماركت) اللذين تتابعهما غرف التداول لبناء "طيف الاحتمالات" ــ حصة هاست إلى أكثر من النصف في بعض الفترات، وهي نسبة كافية لتغيير تسعير المنحنى القصير وتمديد رهانات خفض كانون الأول/ ديسمبر وما بعده، قبل أن يعيد المستثمرون توزيع أوزانهم مع كل خبر وتسريب. حتى أسواق الرهن العقاري لاحظت الأثر: يوم تجددت الشائعات بقوة، رأينا ميلاً إلى انخفاض العوائد القصيرة واتساع شهية المخاطرة في جيوب واضحة من السوق. هذه ليست نتيجة نهائية، لكنها تُظهر حساسية المنظومة لأي تلميح يتعلق بهوية من يقود اجتماعات الفيدرالي.

 

أجندة اليوم الأول: نهاية التشديد الكمي، وضبط قناة السيولة
إذا مضى التعيين، فستكون أولويات الشهر الأول ثلاثية: إطفاء تقلبات سوق المال التي عادت الى الظهور دورياً مع انكماش الاحتياطيات، تسريع الخروج المنضبط من التشديد الكمي نحو وضعٍ "محايد" للموازنة العمومية يسمح بإعادة نموٍ تلقائي للاحتياطيات، وصوغ تواصلٍ جديد مع السوق يوازن بين حماية التوقعات وبين ألا يتحول الفيدرالي إلى مُضخّم للتيسير المالي القادم من الكونغرس والبيت الأبيض. هاست، القادم من مدرسة البيت الأبيض، يعرف أن أي تسييل غير منضبط سيترجم فوراً على شاشات السلع والعملات، وأن الخطأ في جرعة الرسائل قد يكلّف الفيدرالي رأس ماله المعنوي قبل رأسماله المالي.

 

السياسة قبل الاقتصاد: ما الذي يتغير في "استقلالية" الفيدرالي؟
القصة هنا ليست فائدة وموازنة عمومية فحسب. تعيين رئيسٍ للفيدرالي قريب من المركز التنفيذي سيُختبَر في ملفين: علاقة البنك المركزي ببرنامج الرسوم والاعتمادات الضريبية الجديدة، ومدى قدرة الفيدرالي على رفض "التضخم المُستساغ"، إذا تبنّت السلطة التنفيذية رؤيةً تميل إلى التسامح مع الأسعار في مقابل تسارع النمو. هاست أعلن دعمه لاستقلالية الفيدرالي، لكن الاستقلالية تُقاس في لحظة الاختلاف لا في لحظة التصريح. ولأن جيروم باول نفسه واجه موجات تشكيك قبل أن تعتاد عليه السوق، فإن اختبار هاست سيكون مضاعفاً بحكم التوقيت والجدل ووصفه بأنه أحد رجالات الرئيس.

 

المخاطر والفرص: إرث "داو 36 ألف" وتحالفات الذكاء الاصطناعي
على قائمة المخاطر، سيلاحق هاست إرثُه الرمزي: عنوان متفائل بشدة في الإنترنت صار مثالاً يُستدعى كلما بالغت السوق في التسعير. سيحتاج الرجل إلى أن يثبت أنه هاست 2026 لا هاست 1999، وأن بوصلته تُقاس بالبيانات لا بالشعارات. وعلى الضفة الأخرى، تخلق دورة استثمارات الذكاء الاصطناعي وضعاً غير مسبوق: إنفاق رأسمالي هائل من الشركات العملاقة مع أثر ملتبس على الإنتاجية والوظائف في الأجل القصير. رئيسٌ للفيدرالي يميل إلى خفضٍ أسرع قد يتيح دعماً سلساً لهذا القطاع، لكنه في المقابل يرفع سقف المخاطرة إذا قاد ذلك إلى تمديد فقاعة في أصول بعينها. التوازن هنا ليس تقنياً فقط؛ إنه حُكم سياسي نقدي سيُحاسَب عليه سريعاً. 

 

تسمية تتجاوز الأشخاص إلى إعادة تعريف دور الفيدرالي
سواء أُعلنت التسمية هذا الشهر أم امتدّت المشاورات إلى مطلع العام، صار واضحاً أن رئاسة الفيدرالي المقبلة ستُكتب تحت ضغط ثلاث قوى متعارضة: سوق عمل تتباطأ بتفاوت القطاع، تضخم عنيد لا يريد أن يعود سريعاً إلى المستهدف 2%، وسلطة تنفيذية تدفع باتجاه سياسة مالية أكثر جرأة. هاست ــ المرشح الأبرز حتى الساعة ــ يحمل مفاتيح هذا التوازن كما يحمل نقاط ضعفه أيضاً. إذا نجح في ترسيخ استقلالية صلبة مع مسار خفضٍ محسوب، قد يكتب صفحة نادرة في تاريخ العلاقة بين الفيدرالي والبيت الأبيض. وإذا أخطأ الجرعة، فستذكّره الأسواق بأن السياسة النقدية لا تكافئ أصحاب الشعارات، بل من يملكون شجاعة تغيير الرأي عندما تتغير الوقائع.

 

 *رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/27/2025 1:37:00 PM
بعد عامٍ على الهزيمة، تسلّط رؤية نابليون الضوء على أسباب خسارة الحزب.
شمال إفريقيا 11/27/2025 10:52:00 AM
وفاة الإعلامية المصرية هبة الزياد بشكل مفاجئ خلال نومها، في رحيل غير متوقع شكّل صدمة واسعة لدى متابعيها
الولايات المتحدة 11/27/2025 10:27:00 PM
في لحظة اكتشاف هوية المشتبه به في إطلاق النار على جنديين في  الحرس الوطني وإصابتهما بجر,ح خطرة، وحد اليمينيون، صناع رأي وجماهير لا فرق، خطابهم: إنه الإرهاب الإسلامي.
لبنان 11/26/2025 5:22:00 AM
كل ما يجب معرفته عن زيارة الحبر الأعظم الأحد