مراكز البيانات… هندسة القوة في القرن الرقمي

اقتصاد وأعمال 21-11-2025 | 11:52

مراكز البيانات… هندسة القوة في القرن الرقمي

تغدو مراكز البيانات محرك الاقتصاد الرقمي، ومورداً استراتيجياً يتطلب طاقة وتبريداً، ويعيد تشكيل البنى العالمية.
مراكز البيانات… هندسة القوة في القرن الرقمي
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

*رودي شوشاني

يتغير المشهد التكنولوجي العالمي بسرعة كبيرة لدرجة أن الصناعات تكاد لا تنتهي من تسمية ثورة حتى تبدأ أخرى. مع ذلك، يعود تشبيه واحد باستمرار في غرف الاجتماعات وتقارير الاستثمار وملفات السياسات. هل أصبحت مراكز البيانات حقولَ النفط الجديدة؟

 

هذا التشبيه يزداد انتشاراً لسبب بسيط. العالم يعتمد اليوم على التجارب الرقمية ومنصات السحابة والذكاء الاصطناعي والأجهزة المتصلة بمستويات غير مسبوقة. وكل هذا النشاط يستند إلى منشآت ضخمة مليئة بالخوادم التي تعمل بلا توقف. هذه المراكز تتحوّل إلى محرّكات الاقتصاد الحديث تماماً كما كانت آبار النفط محرّكات اقتصاد القرن الماضي.

 

في مناطق كانت تشتهر بالصناعة الثقيلة تظهر اليوم مجمعات ضخمة مليئة بقنوات الألياف البصرية ومولدات الطوارئ ونظم الأمن المحيطة. تعمل بدقة ميكانيكية. تستهلك كميات كبيرة من الطاقة. تحتاج إلى تبريد مستمر. وتستقطب منظومات كاملة من الموردين. وجود مركز واحد من الحجم الهائل قادر على تغيير البنية التحتية المحلية وتخطيط شبكات الكهرباء ومسار التنمية لسنوات طويلة.

 

ما تنتجه هذه المراكز ليس وقوداً أو موادً كيميائية بل قدرة حسابية. هذه القدرة هي التي تتيح للشركات تدريب نماذج متقدّمة، وتحليل البيانات لحظياً، وتخزين المعلومات العالمية، وتقديم خدمات تبدو فورية لمليارات المستخدمين. في الواقع، أصبحت القدرة على الحوسبة مورداً استراتيجياً يشبه النفط. الشركات تتنافس للاستحواذ عليه. الحكومات تخطط لزيادته، ورواد الابتكار يعتمدون عليه.

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

 

 

استهلاك الطاقة أصبح جزءاً أساسياً من النقاش. فمركز البيانات لا يعمل بمجرد توصيله بالشبكة. يحتاج إلى طاقة مستمرة ومخطط لها بدقة. كثير من المنشآت ترتبط بمشاريع الطاقة المتجددة لتحويل الإنتاج الشمسي والرياح إلى ميزة تنافسية. التبريد يمثل تحدياً كبيراً كذلك. ولهذا يجري تطوير أنظمة تبريد سائلة متقدّمة، وموادّ بناء جديدة، وتصاميم ذكية لتدفق الهواء، تقلّل الحرارة، وتحدّ من الأثر البيئي.

 

الجهات التنظيمية تتابع المشهد عن قرب. السياسات التي كانت تركّز على خطوط الأنابيب، ومواقع الحفر، أصبحت تركّز على استقرار الشبكة الكهربائية، ومعايير الاستدامة، ومتطلّبات البنية التحتية الرقمية. تظهر أسئلة حول جاهزية هذه المراكز في حالات الطوارئ وتأثيرها على المياه والبصمة الكربونية. الخطاب العام حول مراكز البيانات بات يشبه النقاشات القديمة حول المصافي ومواقع الاستخراج لكن مع رؤية تقنية حديثة.

 

اقتصادياً يتعمق التشبيه أكثر. النفط غذّى قطاعات التجارة والصناعة والنقل. القدرة الحاسوبية تغذي البرمجيات واللوجستيات والأتمتة والبحث الطبي والمالية والتعليم والترفيه. كل تقدم في الذكاء الاصطناعي يزيد الطلب على القوة الحسابية. كل توسع في الخدمات الرقمية يزيد الحاجة إلى التخزين والشبكات. ومع بناء عالم يعتمد على أنظمة أكثر ذكاء واتصالاً تصبح مراكز البيانات في قلب المشهد.

 

مع ذلك، هناك فرق جوهريّ. النفط مورد محدود. القدرة الحاسوبية تتوسّع بقدر ما نبتكر من عتاد وتقنيات تبريد وقدرات توليد طاقة مستدامة. الدافع هنا ليس الندرة بل التوسع. والتحدّي ليس النضوب بل الكفاءة. تقدم الشرائح الإلكترونية، وتكامل الطاقة، وحلول التبريد، هو ما يحدّد مدى سرعة التقدّم.

المراقبون للتطور التقني الإقليمي يرون الصورة بوضوح. دول كانت تعتمد على تصدير الموارد الطبيعية تستثمر الآن في المناطق السحابية ونقاط هبوط الكابلات البحرية ومراكز الحوسبة عالية الأداء. مدن تقدم حوافز لجذب الشركات وتطوير قدرات الطاقة المتجددة. جامعات تعيد تصميم المناهج لتأهيل مهندسي البنية التحتية الرقمية.

 

المجتمعات المحلية تتغير أيضاً. وجود مركز بيانات كبيرة يجلب وظائف وفرص تدريب وشراكات مع المؤسسات التعليمية. المخاوف البيئية تؤدي إلى ابتكار حلول استدامة. النقاشات حول المرونة والبنى الحيوية تفتح الباب لتعاون جديد بين القطاعين العام والخاص.

 

فهل أصبحت مراكز البيانات فعلاً حقول النفط الجديدة؟ التشبيه دقيق من ناحية التأثير، ومختلف من ناحية المادة، وأساس المستقبل. هي محور الاقتصاد الحديث، وعنصر رئيسيّ في الاستراتيجيات العالمية، ومورد جديد يعتمد على الإبداع البشري لا على الكربون القديم.

 

العالم المعتمد على البيانات يكبر. الطلب على القدرة الحاسوبية يرتفع. وفي الممرات البراقة داخل هذه المنشآت الهائلة يتشكل فصل جديد من فصول التطور العالمي.

*خبير في التحول الرقمي

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/21/2025 9:30:00 AM
نشرت الحكومة اللبنانية النص الكامل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، المستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا