توجّه العراقيون اليوم إلى صناديق الاقتراع وسط مشهد اقتصادي غامض وناخبين يشعرون بخيبة أمل حيال الطبقة السياسية، وإن كان ذلك في ظلّ استقرار هشّ، وفقاً لمحللين.
هذا الهدوء النسبي قبل الانتخابات البرلمانية شجّع على عودة خجولة للشركات الدولية إلى البلاد. كما تسعى دول الخليج إلى توسيع دورها الاقتصادي في العراق، غير أن مراقبين يرون أن طموحاتها ما زالت محدودة بفعل النفوذ الواسع لإيران.
وفي تموز - يوليو الماضي، أشاد صندوق النقد الدولي بالحكومة العراقية لتمكّنها من الحفاظ على "الاستقرار الداخلي رغم الاضطرابات الإقليمية"، مشيراً إلى أن البلاد استفادت من النأي بنفسها عن الصراعات الأخيرة. غير أن الصندوق حذّر من أن الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط يواجه "رياحاً معاكسة كبيرة"، في ظل انخفاض أسعار الخام وارتفاع الدين العام، ما يقيّد الإنفاق العام الذي يشكّل شريان حياة لكثير من المواطنين.
الحكومة المقبلة ستواجه كذلك تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع معدلات بطالة الشباب، وضعف القطاع المصرفي، وتضخّم الوظائف الحكومية، والانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي.
الانتخابات العراقية (وكالات)
وقال تامر بداوي، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن، إن عائدات النفط سمحت للحكومة بتمويل الإنفاق العام عبر الرواتب والمخصصات. وأشار إلى أن إدماج مصالح الفصائل المسلحة في العملية السياسية ساهم موقتاً في ضبطها، "لكن ليس واضحاً إلى متى سيستمر هذا الهدوء".
وأضاف بداوي في حديث إلى AGBI: "حين تفقد الميليشيات مصلحتها في إبقاء الشوارع هادئة، ستفعل ما تريد، وعندما تنخفض أسعار النفط، تبدأ المشكلات المالية بالظهور. يمكن أن يبدو المشهد مستقراً في الظاهر أحياناً، لكن لا يجب أن ننخدع بذلك”.
ينتخب العراقيون اليوم الثلاثاء 329 عضواً في مجلس النواب الذي سيتولّى اختيار رئيس الجمهورية والمصادقة على ترشيحه لرئيس الوزراء.
لكن من المرجّح أن تكون نسبة الإقبال مخفوضة، في ظل اتساع حالة الإحباط من العملية السياسية. فقد دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى مقاطعة الانتخابات بعد أن فاز تياره بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات عام 2021، من دون أن يتمكّن من تشكيل حكومة.
وبعد الانتخابات السابقة، استغرق التوصل إلى اتفاق على رئيس الوزراء والحكومة الجديدة عاماً كاملاً من المفاوضات والمساومات بين الكتل الشيعية والسنية والكردية، وهو سيناريو قد يتكرّر هذه المرة وسط ضغوط متعارضة من الولايات المتحدة وإيران.
يسعى محمد شياع السوداني إلى الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة عبر ائتلاف "البناء والتنمية".
ويشير منقذ داغر، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب، خلال ندوة عقدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، إلى أن حملة السوداني ترتكز على الهوية الوطنية والتنمية.
ويُعتبر السوداني الأوفر حظاً، لكنه يخوض الانتخابات هذه المرة بعيداً من "الإطار التنسيقي" الذي دعمه لتولي رئاسة الحكومة عام 2022، والذي ساعده، بحسب داغر، على ضخ نحو 400 مليار دولار في مشاريع البناء والبنية التحتية خلال ثلاث سنوات.
وفي الندوة نفسها، قال جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا، إن واشنطن تعمل بشكل جيد للغاية مع السوداني، معتبراً أن عودته إلى رئاسة الحكومة ستكون أمراً جيداً.
وسيتعيّن على الحكومة الجديدة إقرار موازنة عام 2026 في ظل انخفاض أسعار النفط عن مستوى التعادل وضغوط مالية كبيرة، وفقاً لمحمود بابان، الباحث في مركز أبحاث روداو في أربيل.
وقال بابان لـAGBI: "إذا تجاوز سعر النفط 70 دولاراً للبرميل، فسيكون ذلك جيداً للعراق. أما إذا انخفض عن هذا المستوى، فستضطر الحكومة إلى تقليص الإنفاق على المشاريع الاستثمارية وستواجه صعوبات في تغطية رواتب القطاع العام والمعاشات والإنفاق الاجتماعي". كما أن أسعار النفط المخفوضة ستعقّد العلاقة المالية بين بغداد وأربيل، خصوصاً بشأن تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان وتقاسم العائدات النفطية وغير النفطية بين الطرفين، بحسب بابان.
وفي ظل هذا الواقع، يرى الخبراء أن العراق بحاجة ماسة إلى استثمارات خاصة. فخلال الأسابيع الأخيرة، أعلنت "إكسون موبيل" نيتها العودة إلى العراق بعد عامين من الغياب، فيما دخلت "تويوتا" اليابانية ومجموعة "داماك" الإماراتية السوق العراقية للمرة الأولى.
وتسعى دول الخليج إلى الاستثمار، خصوصاً في المناطق الجنوبية المحاذية للسعودية والكويت، غير أن مساعيها تصطدم أحياناً بمعارضة مجموعات موالية لإيران، وفق ما يؤكد بداوي.
وفي العام الماضي، اشتكى السفير الألماني السابق في بغداد في مقابلة تلفزيونية، من أن الشركات الأجنبية تواجه ضغوطاً من "مقاولين مرتبطين بميليشيات" يطالبون بتعويضات، بحسب ما نقل موقع "باسنيوز" الكردي.
ويقول أحمد طبّاقشلي، كبير المحللين الاستراتيجيين في "صندوق العراق للاستثمار (AFC Iraq Fund)، إن المخاطر حقيقية والعلاقات بين العراق ودول الخليج معقدة، لكن المرحلة الراهنة تتيح فرصاً مهمة للطرفين.
فمع خروج العراق تدريجاً من دوامة الصراع، يمكن دول مجلس التعاون الخليجي أن تساهم بخبراتها في مجالات النفط والغاز والبناء والتمويل واللوجستيات والزراعة، لتكسب في المقابل سوقاً ضخمة جديدة.
ويختم طبّاقشلي قائلاً: "بغداد أشبه بدبي مضاعفة عشر مرات، مدينة يبلغ عدد سكانها 9.5 ملايين شخص لكنها ما زالت تملك بنية تحتية تعود إلى ثمانينات القرن الماضي. هناك الكثير مما يمكن أن يتعلّمه العراق من تجربة الخليج بدل أن يعيد اختراع العجلة".