السعودية تعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي والدولار أمام اختبار جديد

اقتصاد وأعمال 08-11-2025 | 08:34

السعودية تعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي والدولار أمام اختبار جديد

 أعلن نائب محافظ الصندوق السيادي السعودي يزيد الحميد أن المملكة استقطبت 12 مدير أصول عالميًا لتأسيس عملياتهم داخل البلاد، لتتجاوز الأصول المُدارة 1.1 تريليون ريال
السعودية تعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي والدولار أمام اختبار جديد
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

تشهد السعودية تحولًا اقتصاديًا متسارعًا يعيد رسم خريطة الاستثمار العالمي ويضعها في قلب التوازنات المالية الجديدة، في وقت تتزايد فيه حالة الترقب في الأسواق الأميركية مع تردد مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن مسار الفائدة في شهر ديسمبر وتراجع الثقة في استقرار الاقتصاد الأميركي.

فقد أعلن نائب محافظ الصندوق السيادي السعودي يزيد الحميد أن المملكة استقطبت 12 مدير أصول عالميًا لتأسيس عملياتهم داخل البلاد، لتتجاوز الأصول المُدارة 1.1 تريليون ريال، ما يعكس المكانة المتنامية للسوق السعودية كمركز مالي إقليمي وعالمي قادر على جذب رؤوس الأموال والخبرات الدولية. هذا التوسع لا يحمل بعدًا اقتصاديًا فحسب، بل يمثل خطوة استراتيجية لتحويل الرياض إلى مركز مالي مؤثر في حركة الاستثمار العالمي، من خلال بيئة تنظيمية حديثة وشراكات عابرة للحدود تسرّع نقل المعرفة وبناء الكفاءات المحلية في قطاع إدارة الأصول.

 

وفي موازاة ذلك، تواصل الشركات السعودية الكبرى لعب دور متقدم في صياغة المشهد الاقتصادي الجديد. فقد أعلنت شركة أكوا باور عن توقيع اتفاقيات بقيمة عشرة مليارات دولار في مجالات الطاقة المتجددة وتحلية المياه داخل المملكة وخارجها، بالتعاون مع أرامكو وصندوق الاستثمارات العامة. هذه الاتفاقيات، التي تمتد إلى دول مثل أوزبكستان والسنغال، تُبرز الطابع العالمي المتزايد للاستثمارات السعودية، وتعكس توجه المملكة لاستخدام الاستثمار كأداة للتأثير الاقتصادي والدبلوماسي في الأسواق الناشئة.

 

وفي قطاع التكنولوجيا، برز التعاون بين شركة كوالكوم وهيوماين السعودية كنقلة نوعية في مشهد الذكاء الاصطناعي، من خلال تطوير شرائح جديدة تتيح تنفيذ عمليات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة. هذه الشراكة تضع السعودية في قلب الثورة التقنية العالمية، وتمنحها موطئ قدم في أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا على الاقتصاد المستقبلي، في وقت تسعى فيه العديد من الدول إلى تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأميركية.

 

صورة تعبيرية (وكالات)
صورة تعبيرية (وكالات)

 

يأتي هذا الزخم السعودي في وقت يعيش فيه الاقتصاد الأميركي مرحلة غموض حادة. فقد خفّض امس الاربعاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية كما كان متوقعًا، لكنه أثار قلق الأسواق بعد تصريح رئيسه جيروم باول بأن خفضًا إضافيًا في ديسمبر "ليس أمرًا محسومًا"، مشيرًا إلى أن هذا الاحتمال "بعيد تمامًا". ومع هذه التصريحات، ارتفعت عوائد السندات والدولار في بداية تداولات اليوم الخميس، فيما بقيت مؤشرات الأسهم الأميركية مستقرة إلى ضعيفة بعض الشيء.
و هذا التردد من الفيدرالي يعكس صراعًا داخليًا بين الرغبة في دعم النمو والقلق من إعادة إشعال التضخم، وهو ما يضع الاقتصاد الأميركي أمام اختبار صعب. وفي المقابل، تبدو السعودية وكأنها تتحرك بثقة لبناء مراكز قوة اقتصادية جديدة من خلال تنويع الاستثمار في الطاقة والتكنولوجيا وإدارة الأصول، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي الذي طالما هيمن عليه الدولار.

 

التحولات الجارية في الرياض تحمل دلالات عميقة على المدى المتوسط؛ فبينما تحاول واشنطن الحفاظ على نفوذها عبر أدوات السياسة النقدية، تعمل السعودية على تعزيز دورها في تدفقات الاستثمار العالمي بعملات وأسواق متنوعة، ما قد يخفف تدريجيًا من الاعتماد على الدولار كعملة تمويل وحيدة. وفي الوقت ذاته، فإن توسع المملكة في مشاريع الطاقة والتقنية والبنية التحتية يعزز من قدرتها على التأثير في اتجاهات رؤوس الأموال العالمية، بل وربما في مستقبل الطلب على الدولار ذاته.
فكما نلاحظ ان السعودية تتحرك بهدوء نحو موقع يجعلها جزءًا أساسيًا من المعادلة العالمية المقبلة، فهل يصبح الشرق الأوسط  بقيادة الرياض  أحد محاور إعادة تشكيل النظام المالي الدولي في السنوات القادمة.

*كبيرة محللي الأسواق المالية في شركة اكيوانديكس