هل تصمد الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟
أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترمب عن هدنة تجارية بعد اجتماعهما في كوريا الجنوبية، في خطوة هدفت إلى تهدئة التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم. بموجب الاتفاق، وافقت الولايات المتحدة على خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية إلى 47% بدلاً من 57%، وهو تخفيض كبير مقارنة بالرسوم التي كانت واشنطن تهدد بفرضها سابقاً بنسبة 157%. وعلى الرغم من أن المعدل الجديد لا يزال أعلى من الرسوم المفروضة على دول آسيوية أخرى مثل فيتنام التي تبلغ 20%، يؤكد المصدرون الصينيون أن بلادهم ما زالت تتمتع بقدرة تنافسية عالية بفضل منظومة التصنيع الراسخة واليد العاملة الماهرة.
أبدى العديد من المصدّرين الصينيين تفاؤلهم بأن تحسن العلاقات التجارية بين البلدين سيساهم في زيادة تدفق الطلبات ويعزز ربحية الشركات التي تأثرت بالرسوم الأميركية المرتفعة في الأشهر الماضية. وأشار بعضهم إلى أن الأوضاع بدأت تتحسّن فعلاً مع تزايد التوقعات بتحقيق تقدم خلال القمة الأخيرة، إذ شهد معرض تجاري في مدينة غوانزو مشاركة أكبر من العملاء الأميركيين مقارنة بفعاليات سابقة.
لكن رغم الارتياح الحذر، يدرك كثير من رجال الأعمال الصينيين أن مرحلة التوسع السهل في السوق الأميركية قد انتهت. فقد تركت الحرب التجارية بقيادة ترمب أثراً عميقاً في طريقة تفكير الشركات الصينية، التي باتت تسعى إلى تقليل اعتمادها على السوق الأميركية والتوجه نحو أسواق جديدة في أوروبا وأفريقيا وآسيا. وتشير البيانات التجارية إلى أن الصين في طريقها لتحقيق فائض تجاري قياسي يبلغ 1.2 تريليون دولار هذا العام، بفضل تنويع وجهات التصدير.

في المقابل، يعيد العديد من المشترين الأميركيين النظر في اعتمادهم شبه الكامل على الصين كمركز رئيسي للتوريد. فقد بدأت بعض الشركات الأميركية تطلب من مورديها الصينيين إنشاء خطوط إنتاج خارج الصين، حتى وإن أدى ذلك إلى ارتفاع التكاليف مؤقتاً. ويرى بعض المصدّرين أن خفض الرسوم سيسمح لمصانعهم في الصين بمواصلة تلبية الطلب الأميركي في المدى القريب، لكنهم يتوقعون تحوّلاً تدريجياً في المستقبل لتفادي أي اضطرابات جديدة في العلاقات التجارية.
ويجمع معظم الفاعلين في القطاع الصناعي على أن التنويع أصبح ضرورة لا خياراً. فكما لا يمكن للمصنعين الصينيين الاعتماد كلياً على السوق الأميركية، لا يمكن أيضاً للاقتصاد الأميركي أن يعتمد حصراً على سلسلة التوريد الصينية. هذا التوجه المتبادل نحو التنويع بات يمثل مصدر أمان إضافياً للطرفين في ظل العلاقات المتقلبة بين واشنطن وبكين.
في الاجتماع الذي عُقد في 30 أكتوبر 2025، اتفقت الولايات المتحدة والصين على هدنة مدتها عام واحد، تضمنت تخفيف الرسوم الأميركية على بعض الواردات الصينية، وتأجيل الصين فرض قيود على تصدير بعض الموارد النادرة، مع التزام الطرفين بعدم اتخاذ إجراءات تصعيدية جديدة. وأكدت الصين أن الاحتكاكات بين البلدين أمر «طبيعي» في العلاقات الدولية، لكن يجب إدارتها بحكمة لتفادي التصعيد.
يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه أقرب إلى «وقف إطلاق نار» مؤقت منه إلى سلام تجاري دائم، إذ لا تزال القضايا الجوهرية مثل حماية الملكية الفكرية، والتنافس التكنولوجي، وسلاسل التوريد، ووضع تايوان دون حلول واضحة. ويُعتقد أن الاتفاق قد يواجه صعوبة في الاستمرار على المدى الطويل ما لم تُعالج الخلافات البنيوية العميقة بين البلدين.
حتى الآن، نجحت الهدنة في تحقيق قدر من الاستقرار المؤقت في العلاقات الاقتصادية، ومنحت الأسواق فترة تنفس بعد سنوات من التوترات. غير أن الخبراء يتفقون على أن هذا الهدوء يظل هشاً وقابلاً للتغير في أي لحظة ما لم تُعالج الأسباب العميقة للصراع التجاري. لذلك، يُنظر إلى الاتفاق الحالي على أنه مرحلة تهدئة مشروطة، لا صفقة نهائية أو تحول دائم في مسار العلاقات بين واشنطن وبكين.
نبض