في مقالة نشرها الموقع الرسمي لمؤتمر ومعرض "أديبك 2025"، يستعرض سهيل محمد فرج المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات العربية المتحدة، النموذج الإماراتي في دمج الاستثمار والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية القوية لتقديم نظام طاقة أنظف وأذكى، مقدماً مثالاً واضحاً للتطور الشامل في الشرق الأوسط والعالم.

وبحسب المزروعي، تواجه الاقتصادات اليوم تحدياً مزدوجاً: توفير طاقة موثوقة ومخفوضة التكلفة وبناء أنظمة طاقة أنظف وأذكى للمستقبل. يكتب: "أسرع طريقة لتحقيق هذا الهدف وأسلمها ليست الوقوف حصراً أمام خيارين، إنما بدمجهما من خلال ربط الوقود التقليدي والطاقة المتجددة والطاقة النووية من خلال الذكاء الرقمي. فيمكن التنويع والربط والتحسين بالذكاء الاصطناعي أن تمكّن أنظمة الطاقة من التأسيس لنمو متين يصل لكل منزل وكل شركة".

يضيف: "اعتمدت الإمارات هذا النهج تحديداً. ففي ضوء ’استراتيجية الطاقة الإماراتية 2050‘، نسعى إلى نظام طاقة اشد نظافة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050. وتستهدف هذه الاستراتيجية الحصول على 32% من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول منتصف القرن، وتخطط لمضاعفة حصة الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030، وذلك من خلال دعم استثمارات تراوح قيمتها بين 150 و200 مليار درهم إماراتي لتلبية الطلب المتزايد الناتج من النمو الاقتصادي السريع. وفي الوقت نفسه، نرفع سقف الطموحات الى جانب الطلب. تحدد الاستراتيجية المحدّثة هدفاً لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة 42 إلى 45% بحلول 2050، إضافة إلى التزام مضاعفة كفاءة الطاقة بحلول 2030".

ويتابع وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي: "نعمل بالتوازي على إدخال الذكاء الاصطناعي من خلال سلسلة القيمة، بدءاً من الصيانة التنبؤية التي تساعد في تقليل انقطاعات الإمداد إلى التحليلات الفورية التي توازن بين العرض والطلب. ويعكس هذا استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 التي تضع الطاقة والموارد ضمن القطاعات ذات الأولوية. وقد تحقق العديد من النتائج بالفعل، بحيث بلغت حصة الطاقة النظيفة في 2023 نحو 27.83% من مزيج الطاقة الوطني، مدفوعةً بالتوسع السريع للطاقة الشمسية ومساهمة محطة براكة للطاقة النووية. وفي 2024، دخلت الوحدة الرابعة من المحطة حيز التشغيل التجاري، ما منحها القدرة على تلبية 25% من احتياجات الإمارات من الكهرباء".

افتتاح مؤتمر ومعرض

وبحسبه، ترتبط سياسة الطاقة في الإمارات ارتباطاً وثيقاً بطموحاتها الصناعية، إذ ارتفعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 205 مليارات درهم بنهاية 2023، وهذا يؤكد أن الطاقة الموثوقة والنظيفة والجذابة للاستثمارات الطويلة الأجل تساهم في تمكين التصنيع المتطور. ومن خلال تحفيز الصناعة بهذه الطريقة، "نتيح لقوة العمل الوطنية فرصاً آمنة ووظائف عالية الأجر. ومنذ 2018، وفرت برامج التوطين المرتبطة بالطاقة والصناعة أكثر من 17,000 فرصة عمل في القطاع الخاص للمواطنين الإماراتيين، منها 5,500 فرصة عمل خلال 2024 في إطار برنامج القيمة المحلية لشركة أدنوك".

ويكتب المزروعي: "هناك العديد من الدروس المهمة التي يمكن أن تستفيد منها الدول الأخرى من تجربة الإمارات:

- صمم من أجل التنوع: وجود مجموعة متوازنة من مصادر الطاقة يجعل الأنظمة أقوى والأسعار أكثر استقراراً. لا يزال الغاز الطبيعي والوقود السائل الأنظف مهمين للموثوقية والصناعة، بينما توفر الطاقة المتجددة كهرباء مخفوضة التكلفة وتمنح الطاقة النووية قاعدة تحميل خالية من الكربون.

- اجعل الذكاء الاصطناعي أداة أساسية، حيث تمكّن التعلم الآلي من توقع الطلب بحسب الأحياء والقطاعات، ويمكن للنسخ الرقمية اختبار الشبكات قبل تركيبها. وتطيل الصيانة التنبؤية عمر الأصول وتخفض التكاليف. تسرّع استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 نشر هذه الأدوات في الإنتاج والنقل وكفاءة الاستخدام النهائي.

- عامل الكفاءة كمحرك للنمو، وليس كخطة للتقشف. أنظف وأرخص كيلوواط ساعة هو الذي لا يحتاج لتوليده. على مستوى الإمارات، تترجم برامج إدارة الطلب هذا المبدأ إلى أهداف قابلة للقياس، مثل البرنامج الوطني لإدارة الطلب على الماء والطاقة الذي يهدف إلى تحقيق كفاءة بنسبة 42 إلى 45% بحلول 2050، ويربط الحوافز في الأبنية والصناعة والنقل والزراعة، ويشجع التغيير السلوكي في المجتمع ليصبح الكفاءة دافعاً للنمو المستدام.

- اربط الاستثمار في الطاقة بالاستراتيجية الصناعية، فتوسّع التصنيع في الإمارات يرتكز إلى الطاقة النظيفة والموثوقة وسياسة ’صنّع في الإمارات‘ التي تربط الشراء الطويل الأمد بتوطيد سلسلة الإمداد المحلية وتبني التقنيات المتقدمة.

- طوّر الكوادر لمواجهة تحديات الطاقة الرقمية، فإحداث فرص العمل هو المعيار الأوضح للنمو الشامل، ويتحقق ذلك من خلال المنح الدراسية والمسارات المهنية والتعليم المستمر الذي يجمع بين الهندسة الكهربائية وعلوم البيانات والثقافة الأمنية ومهارات البرمجيات.

- مول المشاريع بسرعة وعلى نطاق واسع، فالتمويل الممزوج والسندات الخضراء والعقود المرتبطة بالأداء تجمع رؤوس الأموال الخاصة وتحمي الموازنات العامة".

ويختم المزروعي مقالته بالقول: "تتمتع منطقتنا بموقع فريد من نوعه لقيادة هذا النموذج، بفضل وفرة الموارد الشمسية، وقدرات التنفيذ على نطاق واسع، وطريق عملية لتقليل البصمة الكربونية وتسريع الطاقة النظيفة ضمن مزيج متنوع لعام 2050 وأهداف كفاءة قريبة الأجل. بفضل الذكاء الاصطناعي والهندسة المتقدمة، نصدّر المعرفة إلى جانب الطاقة. ومع انعقاد مؤتمر أديبك 2025، أكبر حدث للطاقة في العالم، ندعو الجميع لتطبيق النموذج: تنويع العرض ورقمنة العمليات ورفع الكفاءة وتوثيق الصلات بالصناعة والاستثمار في الطاقات البشرية وحشد التمويل. بفضل هذا النهج الاستراتيجي، حولت الإمارات طموحاتها إلى واقع، واستثمرت في الطاقة النظيفة لتعزيز التنافسية اليوم وبناء اقتصاد مرن للغد، وهكذا يمكن الدول في المنطقة وخارجها تحويل تطلعاتها إلى فرص وازدهار طويل الأمد".