في أروقة "أديبك 2025"... من صحراء النفط إلى أفق الفكر

مقالات 04-11-2025 | 08:03

في أروقة "أديبك 2025"... من صحراء النفط إلى أفق الفكر

المستقبل لن يُقاس بعدد الحقول، بل بقدرة الدول على تحويل طاقتها إلى فكر، ومعرفتها إلى تأثير مستدام.
في أروقة "أديبك 2025"... من صحراء النفط إلى أفق الفكر
مشاركون وزوار في اليوم الأول لمؤتمر ومعرض أديبك 2025 بأبوظبي (وكالات)
Smaller Bigger

قبل أربعة عقود، كان "أديبك" معرضاً نفطياً يعبّر عن زمنٍ كانت فيه الطاقة مرادفة للنفط، والازدهار يُقاس بما تضخه الحقول من براميل. أما اليوم، فقد تحوّل الحدث إلى منصة فكرية عالمية، تُعيد صوغ العلاقة بين الطاقة والتنمية، وتضع أبوظبي في قلب الحوار الدولي حول مستقبل الكوكب.

منذ انطلاقته في عام 1984، تطوّر "أديبك" من سوقٍ للصفقات إلى مختبرٍ للأفكار. في كل دورة، كانت أبوظبي تُضيف بُعداً جديداً: من الاقتصاد إلى الاستدامة، ومن الصناعة إلى الفكر. وفي نسخته لعام 2025، بدا واضحاً أن العاصمة الإماراتية لم تعد تستضيف المؤتمر، بل تقوده برؤية تجمع بين الواقعية والابتكار، وبين النفط والهيدروجين، وبين التنمية الاقتصادية والمسؤولية البيئية.

تغيّر تعريف الطاقة كما تغيّرت خريطتها. ومع تصاعد الابتكار في مجالات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والتقاط الكربون، برزت الإمارات واحدةً من الدول القليلة التي نجحت في تحقيق توازنٍ بين أمن الطاقة واستدامتها. فبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، تجاوزت الاستثمارات الخليجية في الطاقة النظيفة 100 مليار دولار حتى منتصف 2025، فيما تتجه أبوظبي إلى رفع مساهمة الطاقة المتجددة في مزيجها الوطني إلى نحو 30% بحلول عام 2030، ضمن مسارٍ يربط التكنولوجيا بالتنمية الاقتصادية.

 

من إحدى جلسات المؤتمر (وكالات)
من إحدى جلسات المؤتمر (وكالات)

 

وعلى الرغم من تعدد المنصات العالمية التي تناقش قضايا الطاقة، منCERAWeek في هيوستن إلى World Energy Congress في روتردام، فقد اكتسب "أديبك" طابعاً فريداً، ليس لأنه ينعقد في منطقةٍ تُزوّد العالم بأكثر من ثلث احتياجاته من النفط فحسب، بل لأنه بات يُقدّم من أبوظبي رؤيةً مختلفة للقيادة الطاقوية، تجمع بين استدامة الموارد واستدامة القرار. فبينما تركز المؤتمرات الأخرى على السوق والمضاربة، يُعيد "أديبك" تعريف الطاقة بوصفها عنصراً في معادلة التنمية والسلام والاستقرار.

في أروقة المعرض لهذا العام، يدور الحوار حول المعرفة لا الأسعار، وحول الذكاء الاصطناعي في إدارة الموارد لا إنتاجها. يتحدث الخبراء عن المعادن النادرة التي أصبحت الوقود الجديد لعصر الذكاء الصناعي، وعن دور الهيدروجين في بناء اقتصاد منخفض الكربون يُعيد تشكيل المدن الصناعية من الداخل. لم تعد النقاشات تدور حول برميل النفط، بل حول كيفية خلق قيمة مضافة من التكنولوجيا والمعرفة. وفي أجنحة أخرى، جيل جديد من الباحثين ورواد الأعمال يناقش فكرة "العدالة الطاقوية" بمعناها الإنساني، وكيف يمكن التحول نحو الطاقة النظيفة أن يصنع وظائف وفرصاً لا تقل أهمية عن النفط ذاته. بدت أبوظبي كأنها تجمع هذه الأصوات جميعاً في حوار واحد، يمتد من المختبر إلى المجتمع، ومن المعادلة الاقتصادية إلى الرؤية الأخلاقية للتنمية.

أكثر ما يميّز التجربة الإماراتية أنها لا تنفصل عن الماضي، بل تُعيد تعريفه. فبينما تواصل الدولة تعزيز موقعها مصدراً موثوقاً للطاقة، تعمل في الوقت نفسه على بناء منظومة معرفية تُدير بها التحول نحو الطاقة النظيفة من موقع الشريك. إنها واقعية ذكية تجمعُ بين الاستقرار والطموح، وتمنح أبوظبي موقعها المميز في المشهد الطاقوي الدولي، بصفتها عاصمة الفكر الطاقوي لا مجرد منتجٍ للموارد.

وفي ظل عالمٍ تتقاطع فيه الأزمات المناخية والاقتصادية، يبدو أن "أديبك" يتجاوز اليووم فكرة "المعرض" نحو دورٍ أشبه بـ"العقل الجماعي للطاقة العالمية". إنه مختبرٌ للأفكار والسياسات، تُصاغ فيه الرؤى التي ستحدد شكل القرن المقبل.

مع ذلك، يتطلّب الحفاظ على هذا الزخم من دول الخليج بلورته في رؤية جماعية طويلة المدى تقوم على ثلاثة مسارات مترابطة: أولها الاستثمار في الابتكار المحلي لردم الفجوة التقنية مع الاقتصادات الكبرى، وثانيها بناء شراكات معرفية مع الجامعات ومراكز البحوث لتوطين الكفاءات، وثالثها تطوير مؤشرات إقليمية للعدالة الطاقوية تقيس أثر التحول في البيئة والمجتمعات والوظائف. فبهذه الأدوات وحدها يمكن المنطقة أن تنتقل من مورد للطاقة إلى مركزٍ لإنتاج المعرفة وصياغة المستقبل.

فالمستقبل لن يُقاس بعدد الحقول، بل بقدرة الدول على تحويل طاقتها إلى فكر، ومعرفتها إلى تأثير مستدام. يبقى السؤال مفتوحاً: هل يشهد العقد المقبل ولادة نموذجٍ جديد، يقود فيه الخليج العربي العالم من مركز الطاقة إلى مركز الفكر؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
النهار تتحقق 11/3/2025 10:29:00 AM
تظهر المشاهد الرئيس عون في قاعة كبيرة، وسط أشخاص. وفي المزاعم، "كان يزور "معرض أرضي" في الضاحية". هل هذا صحيح؟ 
وُلدت دواجي في هيوستن بولاية تكساس لأسرة سورية، وقضت طفولتها بين الخليج والولايات المتحدة بعد انتقال عائلتها إلى دبي وهي في التاسعة من عمرها.