تحذير كانون الأول/ ديسمبر… الفيدرالي الاميركي منقسم

اقتصاد وأعمال 31-10-2025 | 15:50

تحذير كانون الأول/ ديسمبر… الفيدرالي الاميركي منقسم

تلقّت السندات الضربة أولًا. هبطت الخزائن بقوة هي الأكبر في قرابة خمسة أشهر، وقفز العائد على العشر سنوات فوق 4% مجدداً، فيما نقلت مقاييس الاحتمالات إصبعها من خانة «خفضٍ ثالث في كانون الأول/ ديسمبر» إلى خانة «ننتظر دورة».
تحذير كانون الأول/ ديسمبر… الفيدرالي الاميركي منقسم
الفيدرالي الأميركي (وكالات)
Smaller Bigger

لم ينتظر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول اكتمال الأسئلة، ولا حتى دقات آلات التصوير. تقدّم خطوة، شبك أصابعه على منصة المؤتمر، وقالها بوضوحٍ لا لبس فيه: "الخفض في كانون الأول/ ديسمبر ليس أمراً مفروغاً منه—بعيدٌ عنه". عبارة واحدة نقلت الأسواق من منطقة الاطمئنان إلى حافة الحذر. عوائد الخزانة العشرية وثبت فوق 4%، عقود الفائدة أعادت تسعير الاحتمالات من «شبه محسوم» إلى «مرجّح بشروط»، والدولار تردّد بين رياح الملاذ وتقلّبات العائد. بدا المشهد كأنه اختبار طوارئ لاستقلالية الفيدرالي: إدارة نقدية تُمسك بالخيط بين سوق عملٍ يبرد على مهل، وتضخّم لا يريد أن يقرّ بهزيمته، وبيئة سياسية تضغط من الخارج،

و—الأصعب—فراغ بيانات فرضه إغلاق حكومي يُطفئ المصابيح حين يحتاج صانع القرار إلى كل شعاع.


قرارٌ واحد… وانقسامان
صوّتت لجنة السوق المفتوحة 10–2 لخفضٍ ثانٍ هذا العام بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 3.75%–4%؛ اعتراضٌ طالب بخفضٍ أعمق، وآخر فضّل التثبيت. هذا ليس ترفاً إجرائياً؛ إنه كشفٌ صريح عن ازدواجية البوصلة داخل الفيدرالي: معسكر يرى أن تباطؤ التوظيف—مع ارتفاع تدريجي في البطالة وتراجعٍ في وتيرة خلق الوظائف—يستدعي إسناداً نقدياً كي لا يتحوّل «الهبوط الناعم» إلى تعثّر مُكلف، ومعسكر آخر يذكّر بأن الضغوط السعرية لم تتلاش وأن التيسير المفرط قد يعيد إشعالها في وقتٍ لم تُحسم فيه معركة الأسعار. وبين هذا وذاك، يفرض الإغلاق الحكومي معطى ثالثاً: صنع السياسة وسط ضباب، بلا تقارير وظائفٍ كاملة ولا قراءات تضخمٍ في مواعيدها، بل فسيفساء من مؤشرات خاصة وبيانات الولايات، تكفي للإيحاء ولا تكفي للحسم. باول ذكر "عندما تقود في الضباب، عليك أن تخفف السرعة"، إذاً إشارة واضحة لتخفيف حدة وتيرة تخفيض الفائدة ضمنياً...

 

الأسواق تقرأ الرسالة: من يقين "الخطة" إلى حذر "الدورة السعرية"
تلقّت السندات الضربة أولاً. هبطت الخزائن بقوة هي الأكبر في قرابة خمسة أشهر، وقفز العائد على العشر سنوات فوق 4% مجدداً، فيما نقلت مقاييس الاحتمالات إصبعها من خانة «خفضٍ ثالث في كانون الأول» إلى خانة «ننتظر دورة». هذا التحوّل الدقيق يعني الكثير لتقييمات الأصول: كل نقطة أساس إضافية في الطرف الطويل تُثقِل مكررات الربحية لأسهم النمو، وتعيد توزيع الأخطار بين هوامش ربحٍ تاريخية الارتفاع وشهية سيولةٍ صارت أغلى ثمناً. وفي العملات، بدا الدولار ممزقاً بين جاذبية الفارق في العوائد، وقلقٍ أوسع من سيناريو «تيسير أبطأ وسط تضخمٍ عنيد»، وهو سيناريو يُربك مفاضلات الملاذات أكثر مما يحسمها.

 

العمل في مواجهة الأسعار: اختيار محسوب لا زلة لسان
قلّل باول—بعناية لفظية—من نبرة الذعر إزاء التضخم الراهن، ووضع ثقله على جانب سوق العمل. حتى حين أحال بعض الفتور في التوظيف إلى عوامل عرض—كشدّ الخناق على الهجرة—عاد ليقول إن جانب الطلب ما زال قابلًا للتأثر بالأداة النقدية، وأن حماية ديناميكية العمل جزء من التفويض المزدوج للفيدرالي. هذه ليست مجرّد تقنية خطابية؛ إنها إشارة سياسية-اقتصادية: حينما يتعذّر جمع الهدفين كاملين، اختر أين تضع قدمك الآن، وكيف تُبقي الأخرى جاهزة للانعطاف إذا انقلبت الريح.

 

السياسة تحوم… والاستقلالية تُختبر
خارج القاعة، يواصل البيت الأبيض ضغطه العلني لخفضٍ أسرع وأعرض، فيما تتحرّك ملفاتّ التعيينات والطعون القضائية على هامش مجلس المحافظين، وتلوح في الأفق دورة 2026 بتغييراتٍ في المصوّتين. النتيجة شبه الحتمية: اعتراضاتٌ ستغدو سِمةً لا استثناء، ومروحة سيناريواتٍ أوسع في كل اجتماع. هذا التباين لن يريح المتعاملين لكنه قد يُنقذ الاستقلالية: مؤسسةٌ تتجادل داخل قواعدها أفضل من مؤسسةٍ تُدار بالإملاء من الخارج.


فراغ البيانات… وصنع السياسة في العتمة
يضيف الإغلاق الحكومي طبقة من التعقيد: غياب تقاريرٍ محورية—من الوظائف إلى التضخم إلى تموضع المضاربة في عقود المعادن—يجبر الفيدرالي والأسواق على الاسترشاد ببدائل: سلاسل توريد بياناتٍ خاصة، إشارات الولايات، وأرقام الشركات الكبرى عن التوظيف. هذا يُوسّع نطاق الخطأ، ويجعل أي «مفاجأة» لاحقة أكثر إيلاماً في التسعير. في مثل هذه الفجوات، يصبح خطاب التوجيه—كجملة باول الافتتاحية—أداة ضبطٍ للسوق بقدر ما هو بيان موقف.

 

ماذا يعني هذا للمستثمر المؤسسي؟
المعادلة العملية بسيطة ومعقّدة في آن: كانون الأول مفتوح. إن تسارعت علامات تباطؤ الطلب وهدأت مؤشرات الأسعار مع عودة البيانات الرسمية، يعود سيناريو الخفض الثالث إلى الطاولة بقوة. وإن تمسّكت الأسعار بعنادٍ فوق «المستهدف»، سيستقوي جناح الحذر ويُرجئ الخطوة. إلى ذلك الحين، تتقدّم إدارة الأخطار على البحث عن العائد: مطابقة آجال الالتزامات مع آجال الأصول، تحييد التعرض للعائد الحقيقي على الطرف الطويل، وتفضيل ميزانيات تملك هامش سيولة وربحية يمتصان صدمات «عشر سنواتٍ فوق 4%». في الائتمان، يظلّ التمايز جوهريًا: السندات الاستثمارية مع مدةٍ متوسطة تُقدّم حماية أفضل من مطاردات العائد في الأطراف عالية المخاطر حيث تتسع الفوارق سريعًا إذا تشدّد الخطاب.

 

ضيق العرض في الأسهم… ورحلة تقودها قلّة
حتى خارج الفيدرالي، المشهد ليس متوازناً. أداء المؤشرات العريضة يخفي اتساع فجوة بين قادة السوق وبقيته. حين تتكفّل قلّة من الأسماء بنسبةٍ كبيرة من العائد، تصبح قابلية التصحيح أعلى إن تعثّر التوجيه الربحي، ويصبح تأثير العائد الطويل مضاعفاً. هنا، لا يحسم الفدرالي وحده مصير شهية المخاطرة؛ إنما التوجيه النوعي لشركات التكنولوجيا الضخمة، وقدرتها على تحويل استثمارات الذكاء الاصطناعي إلى تدفقات نقدية حقيقية لا وعودٍ مؤجلة.

 

الفيدرالي الأميركي (وكالات)
الفيدرالي الأميركي (وكالات)

 

ما بعد التحذير: خريطة كانون الأول/ديسمبر
لا يُغلق تحذير باول الباب؛ إنما يطلب «مهلة تفكير». في تلك المهلة، ستتدفّق إشاراتٌ كافية لرسم المسار: أيّ مزيجٍ من وظائفٍ تتباطأ من دون انهيار، وتضخمٍ يتراجع من دون مفاجآت صعودية، سيمنحان الفيدرالي غطاءً لخطوةٍ ثالثة مدروسة. وأيّ انعكاسٍ في الأسعار—بفعل مشكلات عرض أو ضرائب أو رسوم—سيُغلّب «التريّث» على «الاستعجال». إلى أن تنطق الأرقام، ستبقى الأسواق تُدار بجملة باول كما لو كانت أداةَ سياسةٍ بحدّ ذاتها: خفّفوا يقينكم، ارفعوا حسّكم بالمخاطرة، وابقوا على مقربةٍ من باب الخروج إن تغيّر المشهد فجأة.

 

في اقتصادٍ يتقدّم بأضواءٍ خافتة، يصبح فنّ التوقيت أهمّ من شجاعة القرار. ترك باول كانون الأول/ديسمبر مفتوحًا، لا تردّدًا بل مرونة مقصودة، أو استطيع أن أقول تردداً في اختيار الطريق الخاطئة أياً كانت. هل يدخل الفدرالي الشهر الأخير من العام بخفضٍ ثالث يثبّت الهبوط السلس، أم يختار «الانتظار دورة» كي لا يُشعل شعلة الأسعار مجدداً؟ الإجابة لن تأتي من المنصة وحدها… بل من بياناتٍ تعود، ومن أسواقٍ ستجرب، كعادتها، أن تسبقها بخطوة. لكن كانون الأول/ديسمبر يبقى موعد الشك!

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين