تحقيق التوازن بين دور المملكة العربية السعودية كمصدرٍ للاستثمار ووجهةٍ له سيكون هدفاً محورياً للمشاركين السعوديين والأميركيين في مؤتمر الاستثمار الرئيسي للمملكة، بحسب محللين.
فقد وصل إلى الرياض هذا الأسبوع عدد من أبرز قادة الأعمال والتمويل الأميركيين للمشاركة في فعالية "مبادرة مستقبل الاستثمار" (FII).
ومن بين المتحدثين في القمة الاقتصادية التي يدعمها "صندوق الاستثمارات العامة"، جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار JPMorgan Chase، وأدينا فريدمان رئيسة مجلس الإدارة والرئيسة التنفيذية لبورصة Nasdaq، وبروس فلات الرئيس التنفيذي لشركة Brookfield متعددة الجنسيات.
جيمي دايمون (getty)
وقد اكتسب الحدث مكانة متزايدة منذ انطلاقه عام 2017، وأصبح الآن "فعالية لا يمكن تفويتها" على جدول كبار التنفيذيين الأميركيين، وفقاً لما قاله ستيف لوتس، نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية لشؤون الشرق الأوسط.
وأضاف لوتس في تصريح لموقع AGBI الأسبوع الماضي قبيل توجهه إلى الرياض: "هذا يعكس ليس فقط الفرص الاستثمارية والتجارية الهائلة في المملكة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية، بل أيضاً أهمية السعودية كشريك اقتصادي استراتيجي للمستقبل."
الكثير تغيّر منذ انعقاد النسخة الأولى من المؤتمر قبل نحو عقد من الزمن، بعد وقتٍ قصير من إطلاق خطة التنويع الاقتصادي السعودية رؤية 2030.
ففي السنوات التالية، تعقّدت العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب الأزمة الخليجية التي بدأت عام 2017، وبسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018. أما اليوم، فقد توحّد موقف دول مجلس التعاون الخليجي الست وسط التوترات القائمة بين إسرائيل وإيران.
وفي ظل عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ونهجه القائم على الصفقات، شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين إعادة ترتيب شاملة.
فخلال زيارة ترامب إلى المنطقة في مايو، تعهّدت السعودية والإمارات وقطر بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأميركي، إلى جانب الاستثمار المشترك مع الشركات الأميركية محلياً في قطاعات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة.
وقال المحلل الجيوسياسي في نيويورك ستيفن تيرنر: "لقد استمالت القيادة السعودية الرئيس الأميركي من خلال عرض فرص استثمار شخصية له داخل المملكة، والتعهد باستثمارات سعودية ضخمة في الاقتصاد الأميركي مستقبلاً".
وفي المقابل، اكتسبت السعودية نفوذاً متزايداً على السياسات الأميركية الخارجية والاقتصادية تجاه الشرق الأوسط، وحصلت – بحسب تيرنر – على "ضوء أخضر شبه مطلق" لشراء الأسلحة والتقنيات والمنتجات المالية الأميركية.
ويمثل ذلك تحولاً عن القيود السابقة التي كانت تفرضها الولايات المتحدة على صفقات السعودية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان أو مكافحة التمويل غير المشروع. وأضاف تيرنر: "نتيجة لذلك، أصبحت الشركات الأميركية متحمسة بشدة لبيع منتجاتها للعملاء السعوديين".
ومن المقرر أن يقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى واشنطن منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، في جولة من المتوقع أن تشهد إعلان صفقات ثنائية جديدة وربما اتفاقية دفاعية. ويرى تيم كالين، الزميل الزائر في معهد دول الخليج العربي والمسؤول السابق عن بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أن مؤتمر هذا العام يشكّل فرصةً لتنسيق المواقف وترتيب الملفات بين الحكومتين قبل تلك الزيارة.
ومع استمرار توسّع الروابط التجارية بين واشنطن والرياض، يتوقّع كالين أن يرتفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأميركية في القطاعات غير النفطية بالمملكة.
ورغم ذلك، تواجه السعودية صعوبة في تحقيق هدفها لعام 2025 والمتمثل في جذب استثمارات أجنبية بقيمة 140 مليار ريال سعودي (37 مليار دولار)، حتى مع سعيها للوصول إلى تدفّقات سنوية بقيمة 388 مليار ريال بحلول عام 2030.
ويشير محللون إلى أن المشاركين السعوديين والأميركيين يحملون رؤى مختلفة حول الطريقة التي يجب أن تتموضع بها المملكة لتحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات وتصديرها.
وقال لوتس من غرفة التجارة الأميركية إن "التحديات تظهر في جميع العلاقات"، مضيفاً أن المركز الوطني للتنافسية ووزارة الاستثمار ووزارة الاقتصاد والسفارة السعودية في واشنطن أظهروا التزاماً "حقيقياً" بمناقشة المشكلات وحلّها.
وأضاف:"حققنا العديد من النجاحات، وسنواصل العمل عند ظهور التحديات"، مشيراً إلى سياسة المشاركة الاقتصادية في السعودية.
وقد أُطلق هذا البرنامج عام 2023 بهدف زيادة المكوّن المحلي في السلع والخدمات التي تستخدمها الشركات الأجنبية عند تنفيذ العقود الحكومية الكبرى.
وفي مارس 2025، وصفت غرفة التجارة الأميركية هذه السياسة في ردّها على استشارة حكومية أميركية بشأن الممارسات التجارية غير العادلة بأنها بمثابة "ضريبة توطين"، وقالت إنها "غير مستدامة وغير واقعية"، خصوصاً بالنسبة للشركات الأميركية العاملة في قطاع الرعاية الصحية.