مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار: السعودية ترسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد
انطلقت، الإثنين، النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، تحت شعار "مفتاح الازدهار"، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبمشاركة نخبة من قادة الدول وصناديق الثروة السيادية ورواد القطاعات الاقتصادية والتكنولوجية من مختلف أنحاء العالم. يستمر المؤتمر حتى 30 تشرين الأول/أكتوبر، جامعاً بين الابتكار، والاستثمار والتنمية المستدامة في إطار واحد يعيد صوغ ملامح الاقتصاد العالمي.
بدأت فعاليات اليوم الأول بجلسات مغلقة تناولت موضوعات حيوية أبرزها إسهامات الابتكار في المحاسبة الكربونية وابتكار أساليب جديدة لقياس أداء الشركات في مجال المناخ، إلى جانب دور العملات المشفّرة في إعادة تعريف النظام المالي العالمي، وحوسبة الكمّ كأداة لتحقيق العوائد المستقبلية، فضلاً عن الاستثمار في القيادة وتأهيل الجيل القادم من صُنّاع القرار.
تتنوّع جلسات المؤتمر على مدى ثلاثة أيام لتغطي قضايا كبرى تمسّ مستقبل الاقتصاد الدولي، من بينها: تأثير الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الإنتاجية، تكوين الثروة في ظل تزايد عدم المساواة، التحولات الديموغرافية وإعادة تشكيل القوى العاملة، واستراتيجيات الموازنة بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.
يشارك في الحدث أكثر من 8000 شخص و650 متحدّثاً من 90 دولة، عبر 250 جلسة حوارية، ما يجعل الرياض محطّ أنظار العالم كمركز يجمع القادة والمبتكرين والمستثمرين لصوغ مستقبل الاقتصاد الإنساني.
في حديث إلى"النهار"، وصف الباحث الاقتصادي الدكتور محمد موسى المؤتمر بأنه حدث اقتصادي عالميّ بالغ الأهمية، يرسّخ مكانة السعودية كمركز محوريّ لصوغ ملامح الاقتصاد الدولي الجديد. وقال إن المؤتمر الذي يُقام هذا العام تحت شعار "مفتاح الازدهار" لا يُنظر إليه على أنه تظاهرة استثمارية فحسب، بل هو منصة استراتيجية تجمع رؤساء دول وقادة شركات عالمية وخبراء من مختلف القطاعات لتبادل الرؤى حول مستقبل النمو العالمي والتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي والمناخ والاستدامة.
وأشار موسى إلى أن المؤتمر يجسّد روح "رؤية السعودية 2030"، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وبناء اقتصاد معرفي متقدّم، موضحاً بأن النقاشات الجارية لا تبقى في إطار الأفكار، بل تُترجم إلى شراكات فعلية ومبادرات ملموسة في قطاعات التكنولوجيا، الطاقة، التمويل، الصناعة والابتكار.
كما لفت إلى أن الحضور الواسع لصناديق الثروة السيادية وقادة الأعمال العالميين يعزّز مكانة الرياض مركزاً لصنع القرار الاقتصادي العالمي، ويؤكد الدور السعودي المتنامي في توجيه الاستثمارات الدولية نحو التنمية المستدامة.

وفي سياق متصل، تتزامن زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع إلى المملكة مع انعقاد المؤتمر، حيث يلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في زيارة عمل تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية متشابكة. ورأى موسى أن هذا التوقيت ليس صدفة، بل إشارة إلى رغبة متبادلة في إعادة وصل العلاقات الاقتصادية بين السعودية وسوريا على أسس جديدة بعد سنوات من القطيعة.
وأوضح بأن الزيارة تعبّر عن توجّه سعودي لإدماج سوريا تدريجياً في المنظومة الاقتصادية الإقليمية، بما يخدم استقرار المنطقة، ويهيّئ لإطلاق مشاريع استثمارية سعودية في سوريا، ضمن قطاعات حيوية كالبنية التحتية والطاقة والإسكان والاتصالات، وهي المجالات التي تحتاجها دمشق في مرحلة إعادة الإعمار.
وأضاف موسى أن السعودية تسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المشرق، فيما ترى دمشق في هذا الانفتاح فرصة لتأمين دعم مالي وتنموي يساعدها على إعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية وخلق بيئة جديدة للنمو. ومن هنا، فإن الزيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي لتفتح آفاق تعاون اقتصادي عربي قد يُعيد رسم ملامح التوازن الإقليمي في السنوات المقبلة.
يأتي مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار هذا العام في لحظة حاسمة يشهد فيها العالم تحوّلات اقتصادية وتكنولوجية كبرى، فيما تواصل السعودية عبر "رؤية 2030" ترسيخ موقعها كمركز عالميّ للتنمية والاستثمار المستدام. وبينما تُسهم النقاشات في وضع خريطة طريق للازدهار العالمي، يبدو أن الرياض تمضي بخطى واثقة لتكون "مفتاح الازدهار" ليس فقط لاقتصادها الوطني، بل أيضاً للاقتصاد الإقليمي والدولي بأسره.
نبض