موازنة تونس 2026.. إصلاحات اقتصادية مؤجلة وتمويل محفوف بالمخاطر
بدأ البرلمان التونسي الأسبوع الماضي مناقشة موازنة سنة 2026 وسط جدل واسع بخصوص ما جاء فيه من إجراءات يقول المختصون إنها لا تتناغم مع واقع البلد الاقتصادي.
ويأتي مشروع قانون المالية لسنة 2026 في سياق اقتصادي ومالي صعب تمرّ به تونس، يتميّز بتباطؤ النمو، وضغط اجتماعي متزايد، مقابل ارتفاع للعجز العمومي ولنسب المديونية.
الدور الاجتماعي للدولة
ووفق وثيقة الموازنة التي اطلعت "النهار" عليها، سيبلغ حجم موازنة تونس لعام 2026، 21 مليار دولار بتراجعٍ قدره نحو 5 مليار دولار مقارنةً بموازنة عام 2025 التي بلغت 25.6 مليار دولار.
ولم يتضمن مشروع الموازنة الجديدة ضرائب إضافية على التونسيين وذلك في إطار توجه الدولة الاجتماعية الذي يحرص الرئيس سعيد دائماً على تحقيقه، لكنه في المقابل أغفل البعد التنموي وفق العديد من الانتقادات التي وجهت إليه.
وتقول النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي ل"النهار"، إن المشروع تضمن العديد من الإجراءات الإيجابية التي تدعم دور الاجتماعي للدولة من بينها فتح باب الانتداب لفائدة حاملي الشهائد الجامعية الذين طالت بطالتهم وادماج المنتدبين وفق عقود غير قانونية علاوة على إقرار إجراءات لدعم السكن الاجتماعي.
غير أنها في المقابل ترى أن المشروع غابت عنه الرؤية الاقتصادية التي تخلق الثروة وتخفف البطالة وتدفع النمو.

بعيداً عن صندوق النقد الدولي
وللعام الثالث على التوالي اختارت تونس أن تستغني عن التوجه نحو صندوق النقد الدولي لتمويل موازنتها في خيار سيادي قائم على نظرية التعويل على الذات ورفض الاملاءات الخارجية يرفعه الرئيس سعيد منذ امساكه بمقاليد الحكم.
وفي مقابل الاستغناء عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تُعول موازنة تونس لعام 2026 مرة أخرى بنسبة كبيرة على الاقتراض الداخلي، وستعتمد الحكومة للعام الثالث على التوالي على الاقتراض المباشر من البنك المركزي، وهو إجراء مثير للجدل يخشى المختصون أن يؤدي إلى زيادة التضخم وضغط إضافي على احتياطيات النقد الأجنبي.
ويتجه مشروع الموازنة للعام القادم نحو تقليصٍ مهمٍ في التداين الخارجي وحصره في حدود 2 مليار دولار مقارنةً بـ 4 مليار دولار من القروض الخارجية التي رسمتها الحكومة في قانون موازنة العام الحالي.
وينتقد الخبراء التوجه نحو البنك المركزي لتمويل الموازنة ويعتبرون أن هذا الخيار وإن وفّر متنفساً عاجلاً للخزينة الا أنه قد يحمل مخاطر تضخمية كبيرة ويمسّ باستقلالية السياسة النقدية.
ويتوقع أن يقدم البنك المركزي نحو 45 بالمئة من احتياطاته لتمويل موازنة 2026 ما من شأنه أن يؤثر على احتياطاته من العملة الصعبة وفق العديد من الخبراء.
ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي ل"النهار" إن هذا الخيار مخاطرة قد تكون غير محسوبة العواقب، ويرى أنه سيزيد في تعميق أزمة السيولة النقدية التي ستوجه كلياً إلى تمويل نفقات الدولة.
وفي تقديره فإن من نتائج هذا التوجه الحد من حظوظ الاستثمار الخاص وتواصل تراجع نسبة الادخار وصعوبة حصول المواطن على قروض من البنوك.
زيادة في الرواتب بأمر حكومي
وتلغي الموازنة الجديدة أي دور للاتحاد العام التونسي للشغل في مفاوضات زيادة الرواتب، فقد أقرت الحكومة زيادة في الأجور للسنوات الثلاث القادم ستشمل القطاعين الحكومي والخاص.
ولأول مرة سيقع ضبط نسبة الزيادة بأمر حكومي في خطوة تقطع مع خيار المفاوضات الاجتماعية التي تدخل الحكومة فيها مع الطرف النقابي بشكل دوري كل 3 سنوات من أجل اقرار زيادات وفق خصوصية كل قطاع.
ويتوقع أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام إضرابات قطاعية في صورة ما كانت النسبة المعلنة غير متماشية مع طبيعة بعض القطاعات.
لكن المسدي تؤكد أن الدولة استعادت عبر هذا الاجراء قرارها المالي.
وبين رغبة الحكومة في الحفاظ على التوازن الاجتماعي وتحذير المختصين من المخاطر التضخمية، ستكون موازنة 2026 اختباراً جدياً لقدرة تونس على إدارة مرحلة حساسة من تاريخها الاقتصادي.
نبض