هل يعيش النظام المصرفي الأميركي مرحلة ما قبل العاصفة؟

اقتصاد وأعمال 23-10-2025 | 14:54

هل يعيش النظام المصرفي الأميركي مرحلة ما قبل العاصفة؟

بحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، ارتفع الاقتراض من مرفق الإقراض الدائم للاحتياطي الفيدرالي  (Standing Repo Facility) إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال يومين.
هل يعيش النظام المصرفي الأميركي مرحلة ما قبل العاصفة؟
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

شهدت البنوك الأميركية خلال الأسبوعين الأخيرين تطورات متسارعة أثارت قلق الأسواق والمستثمرين، وسط مؤشرات على ضغوط على السيولة وتراجع في جودة القروض، إلى جانب تحذيرات من مخاطر التمويل غير التقليدي. هذه الأحداث مجتمعة أعادت تسليط الضوء على هشاشة بعض المؤسسات المصرفية الإقليمية في مواجهة بيئة نقدية مشددة وتباطؤ في النمو الائتماني، رغم أن الصورة العامة لا تزال بعيدة عن أزمة شاملة.
ضغوط السيولة ومخاطر القروض: شرارة القلق تعود إلى البنوك الأميركية.

 

بحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، ارتفع الاقتراض من مرفق الإقراض الدائم للاحتياطي الفيدرالي  (Standing Repo Facility) إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال يومين، وهو أعلى مستوى منذ جائحة كورونا. هذا الارتفاع يعكس ضغوط سيولة قصيرة الأجل في بعض البنوك التي لجأت إلى أدوات الدعم الطارئة لتأمين التمويل، في ظل تراجع الودائع وتقلّب أسواق المال. ومع أن النظام المصرفي الأميركي لا يزال مستقراً في مجمله، إلا أن بعض البنوك الإقليمية تبدو أكثر عرضة لصعوبات مؤقتة في السيولة، قد تتفاقم إذا تراجعت الثقة أو استمر الضغط على الودائع.

 

في الوقت نفسه، واجهت عدة بنوك إقليمية زيادة في القروض المتعثّرة ورفعت مخصصات الخسائر المحتملة. بنك Zions  Bancorporation أعلن عن خسائر في بعض القروض المشكوك في تحصيلها، فيما واجه بنك Western Alliance قضية تتعلق بعملية احتيال ضمن نشاطه الائتماني، ما أثار مخاوف من وجود مشاكل أوسع في محافظ القروض. هذه الأحداث تؤكد هشاشة بعض البنوك المتوسطة أمام بيئة الاقتصاد المرتفع الفائدة والتمويل المكلف. فالسياسة النقدية المتشددة خلال العامين الماضيين رفعت تكلفة الاقتراض وأبطأت نمو الودائع، ما جعل المؤسسات الأكثر انكشافاً عرضة للتقلبات والمخاطر المفاجئة.

 

وسط هذه الأجواء، برز تصريح لافت لجيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan Chase ، الذي استخدم استعارة وصفها كثيرون بأنها تلخص المرحلة الراهنة، إذ قال: "عندما ترى صرصاراً واحداً، فغالباً هناك المزيد". ديمون كان يشير إلى حالات التعثر المحدودة في بعض شركات التمويل الخاص مثل Tricolor Holdings وFirst Brands، معتبراً أنها قد تكون مؤشراً على مشاكل أعمق في سوق التمويل الخاص أو ما يُعرف بالـ Shadow Banking.

 

وأوضح أن مصرفه تكبد خسائر تقارب 170 مليون دولار نتيجة انكشافه على هذه الشركات، محذراً من أن القطاع المالي غير الخاضع بالكامل للرقابة التنظيمية قد يحتوي على مخاطر لم تظهر بعد. هذا التصريح اعتُبر بمثابة جرس إنذار للأسواق، فالرجل لا يتحدث عن أزمة مصرفية شاملة، بل عن تراكم قنابل موقوتة في التمويلات الخاصة التي يصعب تقييم مخاطرها بدقة.

 

أرباح قوية تخفي هشاشة كامنة
ورغم هذه المخاوف، جاءت نتائج العديد من البنوك الأميركية الكبرى والإقليمية خلال الأسبوعين الماضيين أفضل من المتوقع. فقد أعلنت PNC Financial Services عن ارتفاع أرباحها بنسبة 21% إلى 1.82 مليار دولار، مدعومة بزيادة صافي دخل الفائدة إلى 3.65 مليار دولار وارتفاع الإيرادات غير الفوائد بنسبة 12%، مع خفض مخصصات خسائر القروض إلى 167 مليون دولار مقابل 243 مليوناً في العام الماضي.

 

أما U.S. Bancorp، فقد حقق صافي دخل بلغ ملياري دولار (1.22 دولار للسهم)، بزيادة تقارب 16% عن العام السابق، مع ارتفاع الإيرادات إلى 7.33 مليار دولار متجاوزة التوقعات، رغم زيادة طفيفة في مخصصات المخاطر إلى 571 مليون دولار. ومع ذلك، فإن الصورة ليست وردية بالكامل، إذ أعلنت بعض البنوك الإقليمية الأصغر عن نتائج ضعيفة وتراجع في هوامش الفائدة، ما أدى إلى انخفاض أسهم القطاع المصرفي الأميركي بين 6 و10% خلال الأسبوع الأخير.

 

صورة تعبيرية (وكالات)
صورة تعبيرية (وكالات)

 

 

هذه المفارقة تعكس واقعاً مزدوجاً في القطاع: فالبنوك الكبرى ما زالت تستفيد من ارتفاع الفائدة ومن قاعدة ودائع قوية ومستقرة، بينما تواجه البنوك الإقليمية ضغوطاً مزدوجة من ارتفاع تكلفة التمويل وتراجع الإقراض التجاري. ويأتي ذلك في وقت تتسع فيه أنشطة التمويل خارج البنوك التقليدية  ما يُعرف بالتمويل "الظلّي" أو Shadow Banking  الذي يقدم قروضاً عبر صناديق استثمار وشركات خاصة لا تخضع بالكامل للرقابة التنظيمية. ورغم أن هذا النموذج ساهم في تمويل قطاعات ناشئة، إلا أنه خلق شبكة معقدة من المخاطر يصعب تتبعها. ويُقدّر أن هذا القطاع يمثل حالياً نحو 20% من إجمالي الائتمان الأميركي غير الحكومي، ما يعني أن أي خلل فيه يمكن أن يمتد بسرعة إلى النظام المالي بأكمله.

 

في ظل هذه التطورات، تزداد التوقعات بحدوث موجة جديدة من الاندماجات والاستحواذات بين البنوك الأميركية، خصوصاً مع ضعف بعض المؤسسات الإقليمية وارتفاع تكاليف التمويل. الهدف هو تعزيز رأس المال وتقليص المخاطر، لكن هذه الخطوة قد تنطوي على تحديات أخرى، إذ إن انتقال الأصول الضعيفة إلى ميزانيات البنوك الكبرى قد يخلق بدوره مخاطر هيكلية جديدة.

 

في المحصلة، ما يجري اليوم في النظام المصرفي الأميركي لا يُعد أزمة مالية بالمعنى الحرفي، لكنه بلا شك مرحلة اختبار حساسة بين ضغوط السيولة والمخاطر الائتمانية. الأرباح القوية التي حققتها البنوك الكبرى لا تُلغي الإشارات التحذيرية الصادرة من البنوك الإقليمية، وتحذير جيمي ديمون عن “الصرصار الأول” يذكّر الجميع بأن الأزمات الكبرى تبدأ غالباً بإشارات صغيرة. لذلك، يمكن القول إننا لسنا أمام هلع مصرفي، بل أمام تحذير مبكر يدعو الأسواق والمستثمرين والجهات التنظيمية إلى التعامل بحذر، لأن التاريخ المالي يؤكد أن الصمت الذي يسبق العاصفة يكون في الغالب أخطر من العاصفة نفسها.

 

(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/22/2025 3:51:00 PM
لا يمكن اعتبار هذا التراجع "انهيارًا" أو حتى "تصحيحًا"، نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير. لا تزال المعادن تحقق أرباحًا جيدة هذا العام، حتى بعد التراجعات الأخيرة
لبنان 10/20/2025 8:03:00 PM
تتشكل هذه السحب العدسية عادة على ارتفاع يتراوح بين 2000 و5000 متر فوق سطح البحر، عندما يتدفق هواء رطب ومستقر فوق الجبال
لبنان 10/22/2025 7:56:00 AM
صحيفة "جيروزاليم بوست": الطريق إلى النزع الكامل لسلاح حزب الله لا يزال طويلاً