ترامب يُعيد إحياء الفحم: خطوة استراتيجية أم مخاطرة بيئية؟
في خُطوة أثارت جدلاً واسعاً في داخل الولايات المتحدة وخارجها، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يهدف إلى تعزيز "صناعة الفحم النظيفة في أميركا"، فضلاً عن توجيه الوكالات الفيديرالية لإلغاء اللوائح التي تحدّ من تعدين الفحم وتصديره؛ وذلك في محاولة لإعادة إحياء هذه الصناعة عقب تراجعها المستمر على ضوء التحوّل العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة.
يأتي هذا التوجّه في إطار سعي الإدارة الأميركية إلى تأمين مصدر طاقة مستقر يشكل طوق نجاة اقتصادي، ويدعم طموحها لترسيخ مكانتها كمركز عالمي رئيسي للعملات المشفرة، ويضمن في الوقت ذاته استمرار تشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، التي تتطلب كميات هائلة من الطاقة.
لكن هذا الرهان يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الولايات المتحدة على النجاح في هذا المسار، وتحقيق التوازن المنشود بين متطلبات الاقتصاد والتقدم التكنولوجي من جهة وحماية البيئة من جهة أخرى، لا سيما أن الفحم يُعدّ من أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً، وهو ما يخلف آثاراً بيئية ومناخية خطيرة قد تفوق المكاسب الموقتة المرجوة.
تداعيات خطيرة
حول هذا التوجّه، يقول الخبير في اقتصاديات الطاقة في لندن، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، إن الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب تهدف إلى توفير مصدر طاقة غير نظيف، وغير اقتصادي، مقارنة بالغاز الطبيعي والطاقة المتجدّدة.
ويضيف أن إعادة إحياء وتوسيع إنتاج الفحم لتلبية احتياجات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي من الطاقة يحمل تداعيات خطيرة، إذ يُعدّ الفحم المصدر الأكثر تلويثاً وأذى للبيئة والمناخ. ومن هنا، يعتبر الخبراء أن هذه الخطوة تمثّل تراجعاً كبيراً إلى الوراء.
ويشير إلى أن أبرز التداعيات المرتقبة من التوسع في إنتاج الفحم تتمثل بإلغاء الإدارة الأميركية جميع الأنظمة والإجراءات المتعلّقة بحماية المناخ والبيئة، وذلك بهدف ضمان استمرار مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءاً أساسياً من الحياة المعاصرة، ولها دور كبير في الأمن الوطني والصناعي والمعاملات الإلكترونية.
كذلك يوضح بأن هناك تحدّيات إضافية متوقعة في ظل ارتفاع تكاليف التعدين وتقلّص الإنتاج، حيث تراجع إنتاج الفحم في عام 2023 إلى مستويات ما قبل عام 2008، وتمّ إغلاق محطات تعمل بالفحم خلال فترة ولاية ترامب الأولى.
.jpg)
أزمات مستقبلية
على الرغم من اتفاق قادة العالم لأول مرة في قمة الأمم المتحدة للمناخ، التي عقدت في دبي عام 2023، على التحوّل بعيدًا عن الفحم والنفط والغاز، باعتبارها أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً، فإن التوجهات الحالية للولايات المتحدة، والخطوات التي يتبعها الرئيس ترامب، تمثّل تحدّياً كبيراً وتثير جدلاً واسعاً، على ضوء التداعيات البيئيّة السلبيّة الخطيرة المتوقّعة، ممّا يُنذر بالعديد من الأزمات المستقبلية المحتملة، وفقاً لآراء عدد من الخبراء.
طوق نجاة موقت
في ذات السياق، يرى الباحث المتخصّص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن الفحم يُعدّ بمثابة "طوق نجاة موقت" للولايات المتحدة، خاصّة أن إطلاق الرئيس الأميركي حملة لإحياء طاقة الفحم وصناعة ما يُسمّى بـ"الفحم النظيف" يعكس توجّهاً استراتيجياً يهدف إلى توفير مصدر طاقة محلّي مستقرّ، يلبّي الاحتياجات المتزايدة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعيّ التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة.
ويؤكّد الشوبكي أن هذا التوجّه يسعى كذلك إلى خفض تكلفة إنتاج الصلب عبر الاعتماد على الفحم كمصدر طاقة، إلى جانب دعم طموحات الولايات المتحدة لتكون مركزاً عالمياً للعملات المشفّرة، والتي تتطلّب بدورها كميات كبيرة من الطاقة، قد يكون الفحم قادراً على تأمينها في المرحلة الحالية.
ويضيف: "قد يبدو الفحم من الناحية الفنية خياراً مناسباً لتغطية الطلب، لكنه في المقابل يُعدّ من أكثر أنواع الوقود الأحفوريّ تلويثاً للبيئة، ويتسبّب بانبعاثات كربونية عالية، مما يؤدّي إلى تفاقم ظاهرة التغيّر المناخيّ وزيادة حجم الانبعاثات الضارة."
ويشير إلى أن استخدام الفحم في الوقت الراهن قد ينجح بسدّ فجوة الطاقة، لكنه سيواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة بسبب تداعياته البيئية الواضحة؛ وقد تُقابل هذه الخطوة بمعارضة واسعة ما لم تُقرن بحلول تكنولوجية متقدّمة لاحتجاز الكربون، وإجراءات صارمة لضمان الالتزام بالمعايير البيئية العالمية. وإذا لم يتمّ تحقيق ذلك، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام أزمة بيئية تفوق في خطورتها أيّ أزمة طاقة محتملة.
نبض