"رياضات الخيل وسباقاتها مكون أصيل في ثقافتنا العربية وتراثنا الخليجي ونسعى دائماً لتطويرها وتنميتها ونريدها دائماً في ازدهار". بهذه العبارة أكّد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال إطلاق النسخة 28 من كأس دبي العالمي، أهمية صناعة الخيل والفروسية في ثقافة العرب. وتُلقي "النهار" الضوء على استثمارات العرب في أسواق الخيول عربياً وعالمياً، والتحدّيات التي تواجههم، والخطط المستقبلية لدعم هذه الصناعة المُربحة.

صناعة الخيول عالمياً

أظهرت بيانات جمعية الأعمال التجارية للخيول، أن التأثير الاقتصادي السنوي لصناعة الخيول يقدّر بنحو 300 مليار دولار ويدعم 1.6 مليون وظيفة بدوام كامل، بحسب دراسة بحثية أعدّتها مؤسسة بريدل (Bridl) البريطانية المتخصصة في سوق الخيول الرياضية عالمياً مطلع العام الجاري.

وفي سياق سباقات الخيل، وهو قطاع رئيسي في صناعة الخيل، قُدّر حجم السوق العالمية بنحو 402.3 ملياري دولار عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 793.9 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 8.89 في المئة.

سوق معدات الفروسية عربياً وعالمياً

قُدِّر حجم سوق مُعدات الفروسية في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 19.36 مليون دولار عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب بنسبة 4.7% خلال الفترة المتوقعة. تزدهر مبيعات معدات الفروسية في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ثقافة الفروسية القوية، وفقًا لمؤسسة (Cognitive Market Research) الأميركية.

وبحسب الدراسة، قُدِّر حجم سوق معدات الفروسية العالمية بنحو 2261.2 مليون دولار، منها الشرق الأوسط وأفريقيا التي استحوذت على السوق الرئيسية بنحو 2 في المئة من الإيرادات العالمية بحجم سوق يبلغ 45.22 مليون دولار في عام 2024، ومتوقع أن تحقق معدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 3.9 في المئة من عام 2024 إلى عام 2031.

يقول كابتن يوسف جلال رئيس مركز المدرسة المصرية للفروسية ومدرب منتخب مصر للخماسي الحديث سابقاً، لـ"النهار"، إن دولة الإمارات تتمتع بالريادة في مجال الاستثمار في صناعة الخيول والفروسية، تليها السعودية ثم مصر وقطر وسلطنة عُمان بالترتيب، أما البحرين فلا تزال بعيدة من المنافسة حتى الآن.

وعن سبب استثمارات العرب في الاسطبلات البريطانية، قال جلال إن بريطانيا تتمتع بتاريخ عريق في صناعة الخيول ومسابقات الفروسية، يعود إلى القرن السادس عشر عندما وضع الملك هنري الثامن أول قوانين تربية الخيول وتنظيم سلالاتها، واستورد كثيراً من الخيول الأصيلة، لذلك تضخ دول الخليج العديد من الاستثمارات في اسطبلات الخيول البريطانية، خصوصاً أن التراث العربي مرتبط برياضة ركوب الخيل.

وأوضح جلال أن الخيول العربية والمصرية تتمتع بجمال خاص، لذلك تفوز دائماً في مسابقات الجمال، ولكن في مجال قفز الحواجز وسباقات السرعة يتمّ استخدام الخيول العربية لتخطّي المستويين الأول والثاني فقط، بينما يحتاج الفارس إلى خيل أوروبية أو أميركية قادرة على المنافسة في المستويات التالية سواء القفز بارتفاعات عالية أو حتى في سباقات السرعة.

وأشار رئيس مركز المدرسة المصرية للفروسية إلى التحدّيات التي تواجه صناعة الخيول في المنطقة العربية وأبرزها التكلفة المرتفعة لتربية الخيول، سواء في التغذية أو العلاج والاسطبلات، مطالباً بتعزيز وجود الرعاة لرياضة الفروسية وصناعة الخيل في البلدان العربية. وعن التحدّي الثاني أمام تطور صناعة الخيول هو ضعف التغطية الإعلامية لهذه الرياضة، وأخيراً عدم اهتمام العديد من الأندية الرياضية الشعبية برياضة الفروسية كما تهتم بالرياضات الأخرى مثل كرة القدم.

الإمارات تستثمر أكثر من 700 مليون دولار في سوق الفروسية

يقول عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد الإماراتي، في تصريحات له خلال فعاليات النسخة الثالثة من منتدى دبي للفروسية، إن الإمارات تتمتع حالياً ببيئة استثمارية تنافسية ومرنة وبنية تحتية قوية ومتطورة في صناعة الفروسية، حيث تمّ إنفاق نحو 2.1 ملياري درهم (571.7 مليون دولار) على تدريب خيول السباق، ويبلغ متوسط ​​الإنفاق السنوي لأندية الفروسية في الإمارات 367 مليون درهم (بنحو 100 مليون دولار)، كما وصل حجم سوق أعلاف الخيول عالية الأداء إلى أكثر من 128 مليون درهم (34.8 مليون دولار)، ليصبح إجمالي استثمارات الإمارات في سوق الفروسية هو 706.5 ملايين دولار، وهو ما عزز مكانة الإمارات عالمياً.

وتمتلك عائلة آل مكتوم العديد من الاسطبلات في غولدوفين ببريطانيا، حيث تقع أشهر اسطبلات الخيول الأصيلة، خصوصاً في منطقة نيوماركت، ويتولى حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الإشراف عليها.

وعلى مدار تاريخ كأس دبي العالمي، منذ انطلاق نسخته الأولى عام 1996، نجح السباق الذي يعدّ من أغنى السباقات في العالم، في الجمع بين أفضل خيول السباق من جميع أنحاء العالم في نهاية آذار (مارس) من كل عام، على مضمار ند الشبا في البداية، ثم على مضمار ميدان العالمي بعد انتقاله.

ويبلغ إجمالي جوائز أمسية كأس دبي العالمي في نسخته الـ28 لعام 2024 التي انطلقت يوم 30 آذار (مارس) الماضي، 30.5 مليون دولار، بينما تبلغ جائزة كأس دبي العالمي بمفرده 12 مليون دولار.

ومن أبرز الخيول عبر التاريخ التي حققت لقب كأس دبي العالمي، بالإضافة إلى العديد من الإنجازات العالمية الأخرى، يأتي في المقدمة "سيجار" الفائز باللقب عام 1996 الذي صُنّف واحداً من أفضل الخيول الأميركية على مرّ العصور، ونال شرف الفوز بأول نسخة من كأس دبي العالمي، بقيادة الفارس جير عام 1996، على مضمار ند الشبا.

وفي عام 2000 سطع نجم "دبي ميلينيوم" الفائز باللقب، وهو أحد أفضل الخيول في تاريخ السباقات، وتعود ملكيته إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والذي احتفظ بالرقم القياسي في كأس دبي العالمي للخيول منذ النسخة الخامسة عام 2000، ولم ينجح أي حصان في كسر رقمه العالمي الراسخ في ذاكرة الكأس بعدما سجل 1:59:50 دقيقة، وكان اسمه مناسباً مع تزامن انطلاقة السباق للمرّة الأولى في الألفية الجديدة.

ومن ضمن الأسماء المهمّة أيضا يأتي" إنفاسور" الفائز باللقب عام 2007، والذي جسّد بشكل مثالي الطموحات الدولية لكأس دبي العالمي، وحقق انجازاً وقتها أضيف إلى سلسلة إنجازات خيول الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، في السباقات العالمية، بقيادة الفارس الأرجنتيني فيرناندو جارا.

السعودية الأولى في إنتاج الخيل العربية

يقول عبدالعزيز بن سعود المقبل، المدير العام لمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، إن السعودية تحتل المرتبة الأولى في إنتاج الخيل العربية، حيث بلغ عدد مواليد الخيل العربية في المملكة لعام 2021 إجمالي 5246 ، كما يستهدف المركز بشكل رئيسي أن تكون السعودية دولة مُصدّرة للخيل العربية الأصيلة، بحسب تصريحات له في كانون الأول (ديسمبر) 2023.

صدّرت السعودية خلال عام 2022 خيولًا بقيمة 622 ألف دولار، ما يجعلها في المرتبة 59 من حيث أكبر مصدر للخيول في العالم. وفي نفس العام، كانت الخيول في المرتبة 545 من حيث أكثر المنتجات تصديراً في السعودية، وكانت الوجهة الرئيسية لصادرات الخيول من السعودية هي الإمارات العربية المتحدة (271 ألف دولار)، والأردن (165 ألف دولار)، والكويت (46.5 ألف دولار)، وبلجيكا (31.9 ألف دولار)، وقطر ( 26.2 ألف دولار)، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي.

وتستورد السعودية الخيول، وتنقسم الجياد المستوردة إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى الخيل المستوردة للسباق وتكون في عمر السنتين وأكثر، وتحدّد لها معايير للاستيراد من كل دولة، أما الفئة الثانية فهي الأفراس المستوردة للإنتاج فقط، وتُطبَّق المعايير على المهرات والأفراس "الرمك"، عمر ثلاث سنوات فأكثر، ويكون الحدّ الأقصى لهذه الفئة 12 عاماً، والفئة الثالثة هي الفحول المستوردة للإنتاج فقط، وتُطبَّق عليها معايير محددة تختص بالعمر والتصنيف والمشاركات في السباقات الدولية.

مصر تستعد للأولمبياد

وبالحديث عن مصر قال يوسف جلال، إن مصر تستعد للأولمبياد من خلال إنشاء ملاعب الكيان العسكري والمدينة الأولمبية في العاصمة الإدارية، والتي تتمتع بجودة عالية وبنية تحتية وفنادق واستراحات للخيول بمعايير عالمية.

وتخطّت استثمارات صناعة وتجارة الخيول في مصر خلال العام الماضي 10 مليارات جنيه (196.5 مليون دولار) كائنة في مزارع يصل عددها إلى 1750 مزرعة، ويتواجد فيها أكثر من 33 ألف حصان عربي، بحسب تصريحات سعيد شرباش، سكرتير الجمعية المصرية العامة للخيول العربية الأصيلة لـ"سي إن بي سي".

وعن التحدّيات التي تواجه تربية الخيول في مصر، فهي تتمثل في غلاء أسعار الأعلاف وضعف التنافسية جراء قرار الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 10 أعوام بحظر استيراد الخيول العربية من مصر بشكل دائم، والذي تحول بعد ذلك إلى حظر موقت منذ 4 أعوام، وسط محاولات حكومية لإعادة فتح الأسواق مرة أخرى في ظل صادرات مستهدفة تبلغ 100 مليون دولار للعام المقبل.  

وتنشئ الحكومة المصرية بالتعاون مع القطاع الخاص أكبر مدينة لتربية الخيول في الشرق الأوسط تحت اسم مدينة "مرابط مصر" للخيول العربية الأصيلة، بتكلفة استثمارية قدرها 1.5 مليار جنيه (29.5 مليون دولار) في مسعى لتصدير 1100 حصان عربي خلال الفترة المقبلة.