ثقافة
21-01-2025 | 08:28
نبيل سليمان بين مطرقة السلطة وسندان المعارضة!
تشكّل العلاقة الملتبسة بين السلطة والمعارضة ثيمة محورية في نتاج نبيل سليمان الروائي، فيرصدها في تحوّلاتها المختلفة؛ يُعرّي ممارسات الأولى، ويُفكّك آليات دفاع الثانية، ويُواكب المسارات المتعثّرة، ويقتفي المصائر القاتمة. على أنّ أدوات السلطة وتمثّلات المعارضة تختلف من رواية إلى أخرى، وهو ما نقف عليه في أربع من رواياته، هي: "دلعون" 2006، "مدائن الأرجوان" 2013، "تاريخ العيون المطفأة" 2019، و"تحوّلات الإنسان الذهبي" 2022. فكيف رصد سليمان العلاقة الملتبسة؟ وما هي الممارسات المرتكَبة؟ وما هي الآليات المعتمدة؟

الروائي نبيل سليمان
تشكّل العلاقة الملتبسة بين السلطة والمعارضة ثيمة محورية في نتاج نبيل سليمان الروائي، فيرصدها في تحوّلاتها المختلفة؛ يُعرّي ممارسات الأولى، ويُفكّك آليات دفاع الثانية، ويُواكب المسارات المتعثّرة، ويقتفي المصائر القاتمة. على أنّ أدوات السلطة وتمثّلات المعارضة تختلف من رواية إلى أخرى، وهو ما نقف عليه في أربع من رواياته، هي: "دلعون" 2006، "مدائن الأرجوان" 2013، "تاريخ العيون المطفأة" 2019، و"تحوّلات الإنسان الذهبي" 2022. فكيف رصد سليمان العلاقة الملتبسة؟ وما هي الممارسات المرتكَبة؟ وما هي الآليات المعتمدة؟ وما هي النتائج المترتّبة عليها في كلّ من الروايات المذكورة؟
في "دلعون" تتمظهر العلاقة بين السلطة والمعارضة في التعالق بين رجل السلطة جابر العتعوت، الملقب بـ"شلّيطا"، وتعني "المستبدّ"، باللغة السريانية، وابن خالته دريد اللورقي، الأستاذ الجامعي والروائي وكاتب المقالات.
هي علاقة غير متكافئة، بطبيعة الحال، ففي حين يملك الأول القوّة الغاشمة والنفوذ القوي، يبدو الثاني عاريًا إلّا من معرفته وأفكاره التي لا تُصرف في سوق السلطة. ورغم ذلك، فإنّ الأول يعاني عقدة نقص إزاء الثاني، يُعبّر عنها بمجموعة سلوكيات، تشكّل ممارسات السلطة، بينما يلجأ الثاني إلى سلوكيات أخرى، تشكّل آليات دفاع المعارضة. والمفارق أنّ -رغم عدم التكافؤ بين الممارسات والآليات- الصراع ينجلي بينها عن انتصار المثقّف على السلطة، فيسافر "شلّيطا" من دون وداع أمّه، ويبقى دريد ليمارس الكتابة والنوم والحبّ، دون خشية من أحد. وكأنني بنبيل سليمان يستشرف، في هذه النهاية، ما آلت إليه الأمور في سوريا، قبل حدوثه بثمانية عشر عامًا، "حين يروي شهريار"، ص 248.
في "مدائن الأرجوان"، الرواية التاسعة عشرة، يرصد سليمان ممارسات النظام الأمني الذي يُحصي على الناس حركاتهم وسكناتهم، متّكئًا على الصراع الذي اندلع، في ثمانينيات القرن الماضي، بين النظام السوري السابق والإخوان المسلمين. وهو يفعل ذلك من خلال رصد مسارات عدد من الشخصيات الروائية التي وقعت بين مطرقة النظام وسندان الإخوان، دون أن يعني ذلك المساواة بين الطرفين في المسؤولية.
والمفارقة، في هذه الرواية، أنّ الجهة التي يقع عليها القمع تنتمي إلى النظام، ولم يحل انتماؤها إليه دون إنزال العقاب بها حتى الموت؛ فبطل الرواية واصف عمران، الضابط في الإدارة السياسية، والمنخرط في التحضير الإعلامي والشعبي لزيارات الرئيس، لم يشفع له تفانيه في خدمة النظام، فيتمّ القبض عليه لإيوائه بعض المطلوبين في الشاليه التي يملكها بدافع المروءة، فيُسام فنون العذاب التي تُتوّج بموته. "يا سادة يا كرام"، ص 292...
في "تاريخ العيون المطفأة"، الرواية الثانية والعشرين، يتّخذ سليمان من العمى موضوعًا لروايته، معتبرًا أنّ ظاهرة ضعف البصر الغريبة أخذت تتفشى في المدن الثلاث المتخيّلة فيها، منذ العام 1948، تاريخ إنشاء إسرائيل، مما يُشكّل قرينة نصّية تاريخية على الجغرافيا التي تجري فيها الأحداث.
ويتمظهر العمى، بالمعنى المجازي، في هذه الجغرافيا في: "هيمنة السلطة الأمنية وطغيانها، استشراء الفساد، تفكّك الأسرة، إجهاض العلاقات قبل أن تُؤتي ثمارها، ولادة الإرهاب كردّة فعل على القمع ومصادرة الحرّيات وغيرها". على أنّ الشخصيات المعنية بهذه التمظهرات، سواء من موقع المؤثّر فيها أو المتأثّر بها، تنتمي إلى الطبقة المتوسّطة. وهي تنقسم في ما بينها، في الموقف من السلطة والمعارضة، فيقف الضباط في صف السلطة ويُشكّلون أدوات الاستبداد، وتقف معظم النساء والمحامي والأستاذ الجامعي والناشط الإنساني في صف المعارضة، ويدفعون الأثمان الغالية التي تتراوح بين الاختطاف والقتل والإخفاء والنفي والتهجير". وهكذا، نكون أمام صيغة أخرى من العلاقة الملتبسة بين السلطة والمثقّف. (في مهب الرواية، ص 123..).
في "تحوّلات الإنسان الذهبي"، الرواية الثالثة والعشرين، يقوم نبيل سليمان بنقد الواقع في العالم المرجعي المختص، بمفرداته المختلفة، ويصطنع لتحقيق ذلك حيلة روائية، يسنِد فيها بطولة الرواية إلى إنسان كان حمارًا، في جيل سابق، ويعقد مقارنات بين الحمير والبشر تتمخّض عن تقديمها عليهم؛ فبطل الرواية كارم أسعد المتحدّر من أصول حمارية، يُشكّل طرفًا ثابتًا في شبكة علائقية، تنتمي أطرافها المتحرّكة إلى الشريحة المثقّفة من الطبقة المتوسّطة، ويتعالق مع شخصيات تاريخية، أدبية وسياسية، بشكل أو بآخر، مما يوهم بواقعية الرواية المتخيّلة.
وهو، من خلال علاقاته وتعالقاته، يقوم بأدوار الزميل والصديق والحبيب في الرواية. لطن الدور الأخير لا يُؤتي ثماره المرجوّة، فلا يصل الحب إلى خواتيمه المنشودة. ولعل ذلك يعود إلى تذبذب الشخصية بين الرغبة في الشيء والرغبة عنه، في الوقت نفسه. (على ذمّة الراوي العربي، ص 190).
وهكذا، تتقاطع الروايات الأربع في تمحورها حول ثيمة العلاقة ما بين السلطة والمعارضة في العالم المرجعي الذي تُحيل إليه، وفي تنوّع ممارسات السلطة وأدواتها، وفي تحدّر المعارضين الذين تقع عليهم تلك الممارسات من الطبقة المتوسّطة وتنوّع آليات دفاعهم.
تعكس براعة سليمان في السرد وقدرته على التحكّم بخيوطه والتصرّف بها وفق مقتضيات الفن الروائي، وتشي بشجاعته في تناول موضوعات تُعتبَر من المحرّمات في العالم المرجعي المختص، وتعرّض من يتناولها لدفع أثمان غالية. وهو ما حصل معه بالفعل. وبذلك، استطاع أن يكون شاهدًا على عصره، وأمينًا على رسالته، ولم يكن من المطبّلين للاستبداد والمزمّرين.
الأكثر قراءة
ثقافة
10/17/2025 6:10:00 AM
تُعدّ المقاهي الشعبية البيروتية مرآة دقيقة لتحوّلات المشهد الاجتماعي والثقافي للمدينة (1950–1970).
ثقافة
10/17/2025 6:15:00 AM
هذا المشروب الساحر لا يمكن تخيّله منفصلًا عن الشعور بالمشاركة وتحسين المزاج والحب.
ثقافة
10/17/2025 6:17:00 AM
المقهى.. أكثر من مجرد قهوة: تجربة حياة كاملة
ثقافة
10/17/2025 6:12:00 AM
كان الـ "هورس شو" في بناية المرّ قاطرة القافلة التي ضمت مقاهي الـ "إكسبرس" في بناية صباغ، و"مانهاتن" في بناية فرح، ثم مقاهي "نيغرسكو" و"ستراند" و"الدورادو" و"كافيه دو باري" و"مودكا" و"ويمبي" وغيرها.