هل من كائنات فضائية في مدينة الشارقة الإماراتية؟ هل ستتمرّد الروبوتات؟ يُحكى أن كائناً فضائياً أفلت من أيدي باحثي المحطة الفضائية، وأوصافه هي: "ثلاث أعين، مجسان سمعيّان، قرن استشعار واحد ونصف دماغ". 

ثمة مكان مناسب لهكذا خيال علميّ في الشارقة، ألا وهو "الطبق الطائر"، وربما في المقام الثاني "بيت الحرمة"، الأقدم من الطبق الطائر، إلا أن كل ما نعرفه عنه هو أن امرأة وحيدة سكنته ردحاً من الزمن فسمّي "بيت الحرمة" (أي بيت المرأة)؛ وهذا ليس كافياً لكي يقصده المرّيخيّون، ما لم تستدعيهم "الحرمة"، مع ترجيح اكتفائها بتوظيف السحر لأغراض أرضية أو لقصص متصلة بعوالم موازية.

تلك التساؤلات وغيرها مردها إلى كتابين صدرا عن مؤسسة الشارقة للفنون (بالعربية والإنكليزية) بإشراف وتحرير الفنان والقيّم الإماراتي ناصر نصرالله، وهما ثمرة ورشتين عقدتا في "الطبق الطائر وبيت الحرمة"، واستمدّتا إلهامهما من المكانين، وبالتالي أساستا لثيمة كتابية تتخذ من مبنى "الطبق الطائر" فضاءً حيوياً لأدب الخيال العلمي، ومن "بيت الحرمة" منصّة لتأليف قصص "عوالم موازية وأسرار غامضة"، مع العلم أنّ المؤسسة قامت بترميم كلا المكانين ليصبحا موقعين تقدّم فيهما معارض فنية وأنشطة ثقافية وورش فنية.

البيت الغامض
المعلومات المتوافرة عن "بيت الحرمة" قليلة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى ما بين 1900 و1930، إلا أنّ اسمه وغموض هوية المرأة التي سكنته جعلته "مصدر إلهام" وفق ما يقول نصرالله، "فالبيت يقع في أقدم مناطق الشارقة "المريجة"، القريبة من البحر. وهناك الكثير من البيوت التراثية المعروفة بأسماء أصحابها (الذكور) أو العائلة مثل "بيت عبد الرحيم جاسم وبيت غلوم إبراهيم وبيت حبيب يوسف وبيت العبودي"، والتي بدورها أصبحت أيضاً مواقع فنية تابعة لمؤسّسة الشارقة للفنون.

بالعودة إلى غموض مسمّى البيت، فإن قصص الكتاب التي صاحبتها رسومات وفاء إبراهيم (القصص من تأليف كل من نادية النجار وصالحة عبيد ومنال علي بن عمرو وعبدالرحمن الحميري ومحمد عيسى جقدول) ستتولى كشف اللثام عن تلك المرأة، وأخذ غموضها إلى فضاءات مترامية، بحيث يتداخل الخيالي والقصصي بالتوثيقي والبيئي، ويحضر التراث الإماراتي في هذا الخصوص؛ ففي قصة "زوجة الرجل النخلة" للروائية نادية النجار التي تبدأ بموت الحرمة، ناسجة حكايتها انطلاقاً من البحّار الذي أحضرها معه، يتكشف للقارئ العوالم التي ستنفتح أمامه، وقدرة المخيلة على تقديم توثيق موازٍ للواقعي أو الماضي المجهول، لنكون مع نجار أمام بنية قصصية لئلا أقول روائية لهذه الشخصية، فيها الكثير من جماليات السرد والتنويع بين صيغتي المخاطب والغائب وتطور الشخصيات وحركيتها المتصلة بمضيها في عوالم موازية تتخطى الزمان والمكان،  والمصائر المتمحورة حول الحرمة "الخرساء التي لا اسم لها".

السحر والشعر
مع الروائية صالحة عبيد نتبيّن ملامح الحرمة من الآخرين، هي التي لم تعرف المرآة في صغرها، وحين تمشط شعرها يظهر شرخ في المرآة فيشق صورتها إلى نصفين. ثمة "عابر" لم يعرف من العالم سوى البحر يأخذ بيدها، يقول لها "هنا أنت وهنا أنا... وهذا كل ما يجب أن يتبقى لك من العالم". الحرمة تعرف الكتابة في قصة عبيد "قلب كسول"، وبالتالي يمسي السرد بصوتها، والبيت هو بيت العابر أو "بيت الزار"، والعوالم الموزاية تتضمن سحراً وجنّيات.
بينما تتخذ المخرجة منال علي بن عمرو في قصتها "الشاعر الذي ابتلعه الفناء" من تكليفها الصحافي بلقاء شاعر في "بيت الحرمة" مساحة لاستكشاف شخصية هذا الشاعر المنعزل الذي نشر كتاباً واحداً، وانسحب إلى عالمه الخاص، يكتب ولا ينشر، وفي حديثه يتّضح أنه كان يعيش مع أمه فقط في هذا البيت، وهو ابن الحرمة، الذي سيبتلعه بيتها.

البراجيل والعمارة الوحشية
بالانتقال إلى كتاب "الطبق الطائر – نصوص تجريبية في أدب الخيال العلمي"، سنكون حيال هذا المكان وقد تحوّل إلى مركز بحوث على الكائنات الفضائية في قصة الشاعرة مريم المزروعي "نصف كائن"، وقد انقسم الكائن الذي تجرى عليه الاختبارات إلى نصفين. 
ومع قصة الروائية المتخصصة بأدب الخيال العلمي نورة النورمان يصبح المبنى مركزاً يجري فيه تصميم زوجة "حسب الطلب"، لينعم من يطلب ذلك بحياة سعيدة، طالما أنه يستطيع أن يختار ما يشاء من صفات تحملها زوجته، بما في ذلك لون العينين.
تتعدد الشاشات وتكثر في قصة الشاعر علي الشعالي "طنين وألوان"، ويتبدّى من هو مشغول بإجراء أبحاث على السبانخ ليمسي طعمه مستساغاً لدى الأطفال، وحين يفرغ من ذلك سيعمل على مركّب كيميائيّ يعالج الأنا المتضخمة. ومع قصة الكاتبة صباح ديبي، نتعرّف على سراب التي تواصل أبحاث والدها عن نباتات إلكتروكهربائية، "تتواصل مع حشرات كهرومغناطيسية، لنقل المعلومات من خلال استشعاراتها الدقيقة إلى تلك الأوراق النباتية، إلا أن هذه الحشرات يمكنها اختراق الفضاء والتنقل عبر المحطات الفضائية إلى الأرض"، وهذا يأتي بعد سلسلة من الرسائل المتبادلة بين سراب ورائد فضاء انطلق في رحلة فضائية من "مركز محمد بن راشد للفضاء".
تنحو قصة التشكيلي والشاعر محمد مهدي حميدة منحى متصلاً بالعمارة، ناقلاً مشاعر "البراجيل" (العنصر المعماري الأساسي في البناء الإماراتي التراثي أو المكيّف القديم الذي كان يستجلب النسمات إلى البيوت في قيظ الصيف) حين استقرّ بينها وعلى مرأى منها مبنى "الطبق الطائر"، بمعماره الحديث الذي ينتمي إلى ما عُرف بـ "العمارة الوحشية". قصص كثيرة أخرى تضمنها الكتاب لكلّ من صالحة عبيد وشيخة المطيري وحصة عبدالله وسحر محفوظ وحسن النجار وغيث الحوسني، رفقة رسومات غرافيكية لكلٍّ من ربى الأعرجي وسالم المنصوري وحسين نصر الدين وصموئيل وايلدر.

إذاعة الشارقة
يعكف الفنان والقيم ناصر نصرالله حالياً على مشروع جديد؛ وفي هذه المرّة يتّخذ منطلقه من مبنى إذاعة الشارقة القديم وأرشيفها، ونحو ذلك مما يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وانطلاقة الإذاعة الاتحادية لدولة الإمارات المتشكّلة حديثاً، وذلك في عام 1972، ومن ثم انتقالها إلى أبوظبي أواخر السبعينيات؛ ففي هذا الفضاء المكاني والزماني الكثير ممّا يعدّ بورشة كتابة جديدة تفضي إلى كتاب جديد يواصل من خلاله نصرالله توثيق الأمكنة بالرهان على المخيّلة والإبداع.