10-02-2024 | 11:54

"دراما الطبقة المخملية"... "لماذا يحقق "الخائن" أعلى المشاهدات؟

يستمر مسلسل "الخائن" الموسم الأول في نسخته العربية، بحصد أعلى الأرقام على محرك البحث "غوغل"، وتحقيق أعلى نسب المشاهدة منذ بدء عرضه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عبر شبكة قنوات (MBC) ومنصّة "شاهد" دون تحديد عدد حلقاته.
"دراما الطبقة المخملية"...  "لماذا يحقق "الخائن" أعلى المشاهدات؟
Smaller Bigger
 
يستمر مسلسل "الخائن" الموسم الأول في نسخته العربية، بحصد أعلى الأرقام على محرك البحث "غوغل"، وتحقيق أعلى نسب المشاهدة منذ بدء عرضه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عبر شبكة قنوات (MBC) ومنصّة "شاهد" دون تحديد عدد حلقاته. 
 
المسلسل مقتبس عن المسلسل التركي الشهير (Sadakatsiz) الذي يحمل الاسم نفسه للمسلسل المُنتج سنة 2020 من إخراج نسليهان يشيليورت، وسيناريو كل من كمال حمامجي، وديلارا باموك. 
 
تعيش الدكتورة آسيا جانسودره حياة زوجية هانئة وسعيدة مع زوجها فولكان (جانير جيندوروك)، وابنهما علي (ألب أكار). قبل أن يتغيّر الوضع عندما تكتشف أنّ زوجها على علاقة بشابة منذ سنتين. ثم يكون عليها أن تختار بين إنقاذ زواجها أو الانتقام منه. في حين أنّ المسلسل هو ايضاً مُقتبس بدوره من المسلسل الأميركي "دكتور فوستر" الذي أُنتج سنة 2016.
 
النسخة العربية التي تعلّق الجمهور بأبطالها (قيس الشيخ نجيب، سلافة معمار، مرام علي، ريتا حرب...) تمّ تصويرها في إسطنبول التركية وأخرجها المخرج التركي إندير إيمير.
تولّت الكاتبة عبير الصباح المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار، وتحاكي النسختين السابقتين الأميركية والتركية فيما تبدو غريبة وبعيدة من البيئة العربية، رغم ذلك حقّقت نجاحاً كبيراً. فما هو سرّ هذا النجاح؟ ولماذا أحب الجمهور هذا النوع من الأعمال رغم ابتعاده عن واقعها المعيشي وهمومها اليومية؟ وهل يستسلم للاستعراض كغيرة من الأعمال العربية المشتركة؟ 
 
 
 
 
"دراما الطبقة المخملية"
"النجاح التسويقي" الكبير الذي حقّقه العمل الدرامي بمعايير اليوم لا يجعله عملاً "أيقونياً"، بقدر ما يخضع "الخائن" كغيره من الأعمال المستنسخة والمُدبلجة -عن الدراما التركية تحديداً- لمتطلبات الإنتاج الدرامي في عالمنا العربي اليوم، والذي ينحو بإتجاه تحقيق شروط "الترفيه والتسلية"، متخفّياً خلف المقولة الشهيرة "الجمهور عاوز كده". 
 
ينتمي المسلسل إلى فئة الأعمال التي عرفناها خلال السنوات الماضية، التي لا  تُكلّف نفسها عناء أن يحمل أي مقولة، أو يوصل فكرة مهمّة لـ"جمهوره العريض" من ربّات المنازل، والمراهقين/ات، والهاربين/ات، من واقع حياتهم الصعب إلى أجواء العمل المليئة بصنوف الرفاهية والراحة المادية.
 
هذا إضافة الى أبناء الطبقة المخملية الذين لا يريدون أن يصدعوا رؤوسهم بمشاكل الطبقة الفقيرة وما تعانيه من شظف العيش، ومجتمعهم الذي يسيطر عليه الجهل والعنف. أو ينامون على وسادة مريحة دون  الشعور بالذنب تجاه ما يحدث -أحياناً- من قصص مأساوية حقيقية تستحق أن تُروى على بُعدِ أمتارٍ من أحيائهم الفارهة. 
 
 
 
"الرتابة سيّدة الموقف"
يتمحور العمل المُصنّف تحت خانة "الدراما والتشويق"، حول فكرة الخيانة الزوجية وظاهرة التفكّك الأسري وما تجرّه على الأبناء من مشاكل نفسية تؤثر عليهم لاحقاً، وانما بقالب "مُخملي صرف"، تغلب عليه التكلّف والسطحية والتملّق السمج، سواءً على مستوى العلاقات الاجتماعية أو المواقف بين مجموعة من أفراد العائلات الثرية. 
 
يتمحور المسلسل على فكرة الصراع الأنثوي حول رجل واحد هو سيف (قيس الشيخ نجيب) بين كل من أسيل (سلافة معمار) الزوجة السابقة والطبيبة "صاحبة الشخصية المتزنة والسمعة الطيبة والناجحة مهنياً"، وتيّا (مرام علي) العشيقة والزوجة اللاحقة "الفتاة المدلّلة التي اعتادت الحصول على ما تريده". 
 
الصراع الذي يُكرّس صورة نمطية عن المرأة العربية، التي مهما بلغت درجة ثقافتها أو نجاحها المهني فهي تظلّ بـ"نصف عقل"، ويغلب على شخصيتها الطابع المازوشي الهش، تشحنه مشاعر الغيرة والكراهية وما تخلّفه من نمائم نسائية ومماحكات لا تنتهي، ومكائد وحيل عاطفية وافتعال مشاكل ورغبة عميقة بالانتقام والتشفي بين أطراف الصراع، في سبيل انتصار إحداهن على الأخرى بقلب الرجل الوسيم. 
 
هذا الصراع يُشعل فتيله الزوج الخائن، بعد شعوره العميق بأنّ انجرافه العاطفي نحو تيّا لم يكن سوى نزوة عابرة، لا سيما بعد وقوع أسيل في حب زميلها الطبيب في المستشفى الذي تعمل فيه. 
 
هذا ما يتبعه من أحداث رتيبة، مكرّرة، لا جديد فيها، حتى أنّ المشاهد يمكنه أن يترك متابعته لحلقات عديدة من دون أن يشعر بأنّ شيئاً ما قد فاته.
 
الطابع الرتيب السابق نشاهده من خلال "لوكشينات" التصوير المحدودة في تركيا، ويتمّ تقديمها بـ"سذاجة مكشوفة" على أنّها في لبنان، والحوار الذي لا يمل من تكرار معالجة ذات "القضية العاطفية".
 
رغم ذلك، هناك الجودة واللمسات الإخراجية الواضحة وتقنيات التصوير السنيمائية التي أشرف عليها كادر تركي. هذا إضافة الى اتقان الممثلين لإدوارهم وتقمّصهم للشخصيات. لكن أياً من كل ذلك لا ينقذ النص الذي كتبته بالنسخة العربية الكاتبة عبير الصباح حيث يبدو "أجوف"، من دون تقديم أي إضافة حقيقية للنص التركي الأصلي، أو مراعاة لخصوصية البيئة العربية وجمهورها، حيث تبدو أجواء العمل "فضائية" بامتياز. 
 
 
 
"عمل استعراضي"
يربط المسلسل مشاهديه بأبطاله الخياليين، حالمين بأن يكونوا على شاكلتهم في "يقظة أحلامهم". شخصيات أنيقة، جميلة، لا تتخلّى عن "حُسنها الطاغي" حتى في أوقات النوم. وتعبّر عن نفسها بـ"لكنة إنكليزية ممتازة". تعيش في ثراء فاحش وفي بيئة نظيفة معقّمة من آفات الواقع العربي اليومي، حيث تطغى مظاهر ذلك الثراء على أجواء المسلسل، من منازل فارهة بإطلالات طبيعية ساحرة، وسيارات باهظة الثمن، ونمط حياة عصري لا تعيشه إلاّ قلّة يسيرة. 
 
شخصيات لا تعاني من "مشاكل حقيقية" كالتي نعانيها في يومياتنا العربية. بقدر ما هي "بورجوازية الطراز" تتلاءم مع طبيعتها المفترضة. 
هذا ما يُكرّس بدوره "الطابع الاستعراضي" للعمل الذي يستجيب بإخلاص لمعايير الأعمال العربية المعاصرة والدراما العربية المشتركة "البان أراب"، التي تعالج قضايا ذات بُعد عاطفي أحادي، بلهجات متعددة، وفي بيئة افتراضية لا تُقيم وزناً على المستوى الدرامي لتاريخ شخصوصها، ونصوص تداعب الجانب الغريزي لدى مشاهدها، خلقتها ظروف تسويقية خاصة لا تُخفى على أحد اليوم.
 
لم يعد أمام كتّاب السيناريو العرب اليوم سوى استيراد الأفكار الجاهزة التي تُرضي شركات الإنتاج، وتنسجم مع أطروحات الأعمال المدبلجة وأجوائها سابقة الذكر لبيع نصوصهم. الأمر الذي يُفقد الدراما المحلية العربية جزءاً كبيراً من هويتها الخاصة التي تحضر بقوة  في العديد من الأعمال الناجحة تاريخياً، كـ"التغريبة الفلسطينية، المال والبنون، أرابيسك، ليالي الحلمية، والفصول الأربعة"، التي تتميز بالأصالة في الدرجة الأولى. 
 

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.