بريجيت باردو (1934–2025): روح حرّة عصيّة على التطويع

ثقافة 28-12-2025 | 12:19

بريجيت باردو (1934–2025): روح حرّة عصيّة على التطويع

أسطورة اختارت الانسحاب قبل أن تستهلكها النجومية.
بريجيت باردو (1934–2025): روح حرّة عصيّة على التطويع
بريجيت باردو (1934–2025).
Smaller Bigger

رحلت بريجيت باردو. أبت 2025 أن تطوي أيامها الثلاثمئة وخمسة وستّين إلّا و"بي بي" الشقراء معها. وبرحيلها يتبدّد معنى كاملاً للحرية، وتنسحب فكرة جمالية وأخلاقية طبعت سينما القرن العشرين، وتركت بصمتها العميقة في الذاكرة الجمعية الفرنسية والفرنكوفونية والعالمية.

نجمة عالمية في الحادية والعشرين، أيقونة موضة، وواحدة من أبرز الوجوه النسائية في ستينات القرن الماضي. لم تكن باردو ممثلة كسائر الممثلات. كانت، قبل كلّ شيء، جسداً تحرّر من شروطه، ونظرةً جريئة ألقتها على مجتمع ما زال مشدوداً إلى محظوراته. حين أطلت على الشاشة عبر كاميرا روجيه فاديم، زوجها الأول، في "…وخلق الله المرأة" عام 1956، لم تمثّل الاستفزاز الحلو لمشاعر المشاهد، إنما كانت هي الاستفزاز ذاته. وفي سان تروبيه، التي صارت فضاءها الطبيعي حتّى ارتبطت باسمها، أعادت صياغة لغة الرغبة، بحيث لم تعد الحسّية ذنباً ولا زينة، بل جوهر مكشوف، أولي، لا يعتذر عن حضوره.

 

بريجيت باردو عام 1978. (أ ف ب)
بريجيت باردو عام 1978. (أ ف ب)

 

كان أداؤها، الذي وُصف بالعفوية وانتُقد أحياناً، أقل شأناً ممّا كانت تجسّده. باردو لم تلتحق بالحداثة، بل سبقتها بخطوة. قبل أن يتبلور الخطاب النسوي نظرياً، طرحت الجسد الأنثوي بصفته مساحة خاصة، وحيّزاً سيّد نفسه. وقبل زمن النجومية الكونية، تحوّلت إلى صورة عابرة للحدود، مستنسخة ومؤوَّلة ومتنازعاً عليها. كانت أول نجمة فرنسية بالمعنى المعاصر للكلمة: حضوراً إعلامياً كاملاً، محبوباً ومرفوضاً في آنٍ واحد.

ثم، في ذروة المجد، اختارت الانسحاب. في التاسعة والثلاثين، أغلقت باب السينما خلفها، وأدارت ظهرها لمنظومة رأت فيها آلة استنزاف، ولاذت بـ"لا مادراغ"، بيتها وحصنها. كان القرار، يومها، صادماً وغير مفهوم، لكنه كان، في العمق، أحد أكثر فصول حياتها انسجاماً مع حقيقتها. لم تُرد أن تتحوّل إلى أسطورة حيّة، ولا إلى صورة تُستهلك باسم الحنين إلى صورة قديمة.

 

قصة حب بريجيت باردو والحيوانات.
قصة حب بريجيت باردو والحيوانات.

 

ولدت بعدها حياة أخرى. أعادت باردو ابتكار ذاتها من جديد، مناضلة شرسة من أجل حقوق الحيوان. وبالعناد نفسه الذي صاغ أسطورتها، كرّست وجودها للدفاع عمّن لا صوت لهم، ولفضح القسوة حيثما وُجدت. هذه المرحلة، التي أثارت كثيراً من الجدل، كشفت عن ثباتها الداخلي: باردو لم تعرف أنصاف المواقف. كانت تختار الحافة على الوسط، والرفض على التسوية.

كلماتها في سنواتها الأخيرة صدمت كثيرين. لم تسعَ إلى رضا أحد، ولا إلى إجماع مريح. تكلّمت كما عاشت: بحدّة، وبلا مواربة، ولو كان الثمن عزلةً تامة. وهذا أيضاً جزء من إرثها: شخصية عصيّة على الترويض، وعلى التقديس، وعلى الاختزال. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2025، عادت بكتاب جديد اختارت له عنوان "مون ببسيدير" (Mon BBcédaire) أو "أبجديات بي بي" (نسبةً للقبها). عمل خطّته بيدها بالكامل، على شكل أبجدية شخصية تكشف من خلالها رؤيتها للعالم، بلغة لا تخلو من الحدة أحياناً، انتقت فيه كلمات وأسماء وأماكن وأحداث رافقتها عبر الزمن، وكتبت عن كل منها أسطراً مكثّفة تحمل بصمتها الخاصة.

 

بريجيت باردو في “لو كان دون جوان امرأة“.
بريجيت باردو في “لو كان دون جوان امرأة“.

 

تترك بريجيت باردو وراءها الأفلام والأغاني والصور. تمضي "بي بي"، الشقراء التي عرفت المجد وأدارت ظهرها له. لكنها تترك، قبل كلّ شيء، أثر امرأة رفضت أن تحني رأسها بوداعة وتقبل أن تصبح ما كان يُنتظر منها. وبرحيلها، يُطوى فصل مُشرق وحرّ من تاريخ السينما الفرنسية، ويُستعاد زمنٌ كانت فيه ممثلةٌ واحدة قادرة، بمجرد ظهورها على الشاشة حافية القدمين، وشعرها في مهبّ الريح، أن تغيّر العالم، وأن تعلن الحرية حضوراً حيّاً لا يُروَّض.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/27/2025 12:32:00 AM
جريمة عائلية مروّعة في حماة حيث عُثر داخل أحد المنازل على جثث زوجين وأطفالهما الثلاثة، في حادثة هزّت المدينة.
المشرق-العربي 12/27/2025 12:53:00 AM
وحدات حرس الحدود تلقي القبض على 12 شخصا مرتبطين بالنظام السابق على الحدود السورية – اللبنانية، وسيُحالون إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
كتاب النهار 12/26/2025 5:20:00 AM
ظل التعايش قائماً على وسائل التواصل الاجتماعي حتى نشر أحد المعلمين في مدرسة طرابلسية فيديو لطفلة من عائلة مسلمة، تقول فيه إنها لا تحتفل بـ"الكريسماس"، لأنه عيد للكفار، فانقلب التعايش فجأة إلى حرب استخدمت فيها كل مفردات التكفير والشيطنة.
صحة وعلوم 12/27/2025 1:44:00 AM
ارتفاع ملحوظ في إصابات الإنفلونزا A (H3N2) في لبنان مع تحذيرات طبية من مضاعفات خطرة وضرورة الإقبال على اللقاح والوقاية.