فادي أبو خليل إنساناً وشاعراً وممثّلاً، يا لهذه الحياة المنتحرة!
كان فادي أبو خليل شاعراً وممثّلاً ومخرجاً وفنّاناً وشاعرَ حياةٍ منتحرة، وبقي أميناً لصفاته هذه كلّها، منضوياً فيها انضواءً عضويّاً، قبل أنْ ينسدل الستار الأخير على شخصه وعلى مسرح حياته، بعد عزلةٍ متطاولةٍ تشبه الموت، إنْ لم تكن أكثر فداحةً وصعوبةً وأبعد مراماً من الموت نفسه.
كتب فادي الشعر على طريقة ديوانه "لا شيء تقريباً"، لكنّ حياته كانت هي الشعر أيضاً وتماماً، بما يعنيه الشعر من عبثيّةٍ ساخرةٍ وقاسية، ومن وقوفٍ دراميٍّ أمام الجدار المسدود، مضمّخٍ باللاجدوى، باللااكتفاء، بالمزاج الأليم المتألّم، بالضيق، بالملل، وبالضجر الوجوديّ، وبالعدم، على حدٍّ سواء.
لا شيء تقريباً. كلّ شيء تقريباً. معاً وفي آنٍ واحد.
لا شيء في الحياة. تقريباً. ليس ثمّة ما هو أكثر دلالةً من هذا العنوان، من هذه الخلاصة، للإيماء إلى ما كانت عليه فلسفة هذا الشاعر الفنّان، الذي "كافح" طويلاً من أجل أنْ يعثر على "شيء"، على "ميناء"، على "لجوء"، على "ضالّة"، لكن من دون جدوى!

كانت حياة فادي أبو خليل هي شعره، وكانت روحه التي تفرفر كطائرٍ مذبوح، هي التي تؤدّي جسدَه على الخشبة. لم يكن ثمّة فارقٌ بين الإنسان والشاعر الفنّان فيه. فقد كان فادي هو إيّاه، في كلّ ما قام به، في تجربته الأدبيّة والمسرحيّة، في وجوده، في علاقاته، في حواراته، ومناقشاته، في صمته، في مسيره على الأرصفة، في المدينة، في المقهى، في البيوت، في ذاته، في الأمكنة، وفي اللامكان.

هذا الفتى الجميل، الممشوق القوام، الساخر، الهازئ، الموجوع حتّى اللحم الحيّ، المفهوم، اللامفهوم، الهائم، الشريد، المنفيّ في جسده، في روحه، المعطوب في الداخل، المشروخ، المفكّك، كان مرآةً "مخيفةً" من فرط أمانتها لذاتها الدفينة، على طريقة البلاد المعطوبة التي دمّرتها الحرب، وجعلتها أرضاً خراباً، وجعلت ناسها وأبناءها وقودها وضحاياها الأبديّين.

كان فادي أبو خليل غائباً من زمانٍ بعيدٍ، لكنّه كان حاضراً في عزلته وغيابه. شعره غياب، وتمثيله غياب، لكأنّ الشعر الأمثل والتشخيص الأمثل والحضور الأمثل هو الغياب الأمثل نفسه، وهو الاعتزال - الامّحاء، وصولاً إلى لحظة الموت الأخيرة، وهي ديوانه المفجع الأخير غير المكتوب، وهي أداؤه المسرحيّ الممضّ بلا خشبة، حيث "لا شيء تقريباً"، لا حبر، لا ورق، لا كتاب، لا مسرح، ولا تمثيل، ولا قامة مسرحيّة تبين على خشبة.
فادي أبو خليل، يا لهذه القصيدة المنتحرة، والخشبة المنتحرة، والحياة المنتحرة. سلامي إليك!
نبض