«لو في آخر يوم» لبول قطّان: حكايات تغسلها المرارة

ثقافة 27-12-2025 | 10:02

«لو في آخر يوم» لبول قطّان: حكايات تغسلها المرارة

«لو في آخر يوم» مجموعة حكايات قصيرة ذات مضمون قصصيّ أنيق، تراعي الهدوء اللغويّ، ولا تتوخّى المغالاة، ما يجعلها تمعن في «الإمتاع والمؤانسة».
«لو في آخر يوم» لبول قطّان: حكايات تغسلها المرارة
تعبيرية.
Smaller Bigger


 أسعد قطّان 

ليست كتابة القصّة القصيرة بالمهمّة السهلة. فلئن كانت هذه، بخلاف الرواية، لا تضطرّ صاحبها إلى التوسّع في تعمير الشخصيّات على نحو، غالباً ما يكون تصاعديّاً، إلّا أنّها تنطوي على تحدّيات لا تقلّ صعوبةً عن تلك التي نعثر عليها في الكتابة الروائيّة: التكثيف، القفلة المُحكمة التي تستفزّ القارئ وتستحثّه على التفكير، والقبض على مفاتيح التوازن بين القِصَر والطول بالاستناد إلى لغة لا تقع في فخّ الإفراط. 



 

 

 

 

يحاول بول قطّان في مجموعته القصصيّة «لو في آخر يوم»، أن يكون أميناً لهذا كلّه. يلتقط لحظات تكاد تكون عاديّة، ويجدّ في تحويلها إلى مادّة أدبيّة تمتّع القارئ وتستثيره في آن. إنها الحكاية القديمة الجديدة عن العائلة التي تفضّل ولداً ذكراً على ولد ذكر آخر؛ الأخوان اللذان يتنافسان على امرأة واحدة، فلا ينضب التنافس حتّى عندما يأتي الموت؛ المراهق الذي يُغرم برفيقته في المدرسة ولا يقوى على البوح بحبّه الخجول الذي يشبه مراهقته؛ الرجل الذي يموت من فرط الحنين إلى امرأة رحلت من الأمكنة كلّها إلّا من مخيّلته؛ الخال الذي لا يحفل سوى بالميسر وكأس العرق، فيموت وحيداً على سرير بارد، بينما يفشل ابن أخته في التصالح معه حتّى وهو على سرير الموت: «لم يرحمه كانون، وأخذه في ليلة باردة. لم أحضر جنازته، ولا شاركت في أربعينه». 

في هذه الحكايات، ثمّة حيّز واسع للحظات الأولى، للخبرات الأولى، للمحبّة «الأولى» كما تسمّيها الكتب المقدّسة. زعمُ المؤلّف أنّ هذه اللحظات تختزن أصالةً لا تقوى تقلّبات الزمن على خنقها: الموسيقى التي كنّا نسمعها بينما براعمنا تتفتّح على دغدغات الريح؛ الملذّات الصغرى التي كانت تكحّل الوجود إبّان أزمنة الصبا؛ حتّى الخيبات اللاحقة المنبثقة، مثلاً، من الترجّح بين الزوجة المكروهة والحبيبة المشتهاة والمومس الظرفيّة تكتسي قوّة المرارة وأصالتها. والحقّ أنّ سطور بول قطّان تغصّ بوطئ المرارة حتّى تكاد هذه تضحى الحقيقة الأكثف والأكثر حضوراً. 

يكتب الزميل يوسف بزّي في مقدّمته لهذه المجموعة القصصيّة: «في وقت تبدو الكتابات الحديثة تائهة ومتمرّدة وفوضويّة وصاخبة، يكتب قطّان كمن يبني جسراً مستقيماً فوق تلك الأمواج العاتية، يمتدّ نحو حقل هادئ تصنعه لغة نظيفة ومتسامية، حيث المعاني دوماً صارمة، إنسانيّاً وأخلاقيّاً». الأكيد أنّ هذه اللغة النظيفة لغة تحبّ الاستعارات، لكن من دون أن تغدو هذه هدفاً بذاتها، ما يبقي اللعبة السرديّة ضمن حدود التوازن اللغويّ المستعذب.

«لو في آخر يوم» مجموعة حكايات قصيرة ذات مضمون قصصيّ أنيق، تراعي الهدوء اللغويّ ولا تتوخّى المغالاة، ما يجعلها تمعن في «الإمتاع والمؤانسة».

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/26/2025 4:54:00 PM
تضمنت رسائل الجماعة في البداية "تهديدات للعلويين بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم"
كتاب النهار 12/26/2025 5:20:00 AM
ظل التعايش قائماً على وسائل التواصل الاجتماعي حتى نشر أحد المعلمين في مدرسة طرابلسية فيديو لطفلة من عائلة مسلمة، تقول فيه إنها لا تحتفل بـ"الكريسماس"، لأنه عيد للكفار، فانقلب التعايش فجأة إلى حرب استخدمت فيها كل مفردات التكفير والشيطنة.
اقتصاد وأعمال 12/26/2025 5:12:00 AM
أسعار الذهب عند مستوى قياسيّ جديد!
اقتصاد وأعمال 12/26/2025 4:10:00 PM
تبدو المصارف اللبنانية، وكأنها تنتقل قسراً من نموذج الانتشار الواسع والاعتماد على الرساميل المتدفقة، إلى نموذج مصغر يعتمد على تقليص التكلفة وتقديم خدمات محدودة