كريستوفر نولان يعود بفيلم ملحمي: "الأوديسة" تفرض نفسها مبكراً على موسم 2026
لم يكد كريستوفر نولان يزيح الستار عن الملامح الأولى للحملة الترويجية لفيلمه المرتقب "الأوديسة" (The Odyssey)، حتى بدا واضحاً أنّه يمهّد لحدث يتجاوز حدود فيلم جديد. زخم كثيف من مشاهدات الإعلان التشويقي، سجالات محتدمة بين المتخصّصين في التراث الكلاسيكي، وتوقّعات مبكرة تراهن على أنّ ملحمته الأسطورية ستكون من ركائز الموسم، وقاطرةً إضافية لنموّ السينما في عامها المقبل.
الإعلان التشويقي الكامل الأول، الذي طرحته "يونيفرسال" هذا الأسبوع، يقدّم مات ديمون في هيئة أوديسيوس المُتعب من الحروب، ويعيد صوغ الحكاية بصفتها رحلة عودة محفوفة بالمخاطر بعد سقوط طروادة. لقطات خاطفة لعواصف، ومعسكرات، ومسار طويل من التيه، توحي فيلماً صُمّم للشاشة الكبيرة. وقد حُدّد موعد العرض في 17 تموز/يوليو 2026 في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فيما يعود نولان مجدداً إلى رهانه المفضّل على الضخامة، مع حديث متجدّد عن استخدام صيغة "IMAX" بصفتها جزءاً من تجربة "لا بدّ من عيشها في صالة السينما"، استمراراً لما كرّسه "أوبنهايمر".

سرعة انتشار الإعلان أصبحت بدورها جزءاً من الحكاية. تقارير متداولة أشارت إلى قرابة 15 مليون مشاهدة خلال يوم واحد، وهو رقم يُفهم عادة على أنه خاص بمنصّة واحدة. في المقابل، تحدّثت تغطيات أخرى عن أرقام أعلى بكثير خلال 24 ساعة، قد تصل إلى نحو 120 مليون مشاهدة عند احتساب الانتشار عبر منصّات التواصل الاجتماعي مجتمعة. هذا التفاوت يضيء على واقع جديد، حيث تختلف "الأرقام القياسية" تبعاً للمنهجية المعتمدة، بين "يوتيوب" وحده، وإعادة الرفع، والترويج المدفوع، والمشاهدات المضمّنة.
غير أنّ حجم الانتباه، على أهميته التسويقية، لم يكن بلا تعقيد. فالإعلان الذي أسعد جمهور نولان، أثار في الوقت نفسه اعتراضات لدى مؤرّخي العصور القديمة وباحثي الكلاسيكيات، الذين توقّفوا عند ما رأوه مفارقات زمنية وخيارات تصميم، خصوصاً في ما يتعلّق بالدروع وأغطية الرأس. عادت إلى الواجهة نقاشات قديمة حول صورة أوديسيوس: هل ينبغي أن يظهر بخوذة "أنياب الخنزير" المرتبطة بالعصر البرونزي، أم بهيئة البطل المتأخرة زمنياً، الأقرب إلى المخيال الشعبي عن اليونان القديمة؟ ليست هذه التوتّرات جديدة على السينما، التي اعتادت اختزال قرون من الثقافة المادية بلغة بصرية واحدة سهلة القراءة، إلا أنّ اتساع شعبية نولان يجعل حتى السجالات المتخصّصة تتحوّل سريعاً إلى نقاش عام.

في الخلفية، يفسّر السياق الصناعي لماذا يُحسب كلّ تفصيل بدقّة، من عدد المشاهدات إلى طبيعة الجدل والصيغة المعتمدة. ففي 18 كانون الأول/ديسمبر، توقّعت "غاور ستريت أناليتكس" أن يبلغ شباك التذاكر العالمي نحو 35 مليار دولار في عام 2026، وهو أعلى مستوى سنوي منذ 2019، وعام النموّ الثاني على التوالي. وتقدّر الشركة حصة أميركا الشمالية بنحو 9.9 مليارات دولار، والأسواق الدولية، باستثناء الصين، بنحو 18 ملياراً، مع تقدير محافظ للصين عند 7.1 مليارات دولار في ظلّ غموض الروزنامة. وتشير القراءة التفصيلية إلى موسم مزدحم بسلاسل كبرى، بينها أجزاء جديدة من "أفنجرز" و«سبايدر مان"، لكنها في الوقت نفسه تبرز أفلاماً مستقلة عن السلاسل، وفي مقدّمها "الأوديسة" لنولان، بصفتها قادرة على رفع السقف إذا استجاب الجمهور لحصرية العرض السينمائي والصيغ الفاخرة.
المؤشرات المبكرة توحي أن الفيلم ينجح فعلاً في أداء الدور الذي تحتاجه الاستوديوهات أكثر من أي وقت مضى في 2026: فرض الحضور، إشعال النقاش، والتذكير بأن المشهدية لا تزال ذات قيمة، حين تكون متفرّدة وغير قابلة للاستبدال.
نبض