رحيل المخرج والفنان الفلسطيني الكبير محمد بكري
غيّب الموت، اليوم، المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري عن 72 عاماً من عمرٍ لم يكن مجرّد سيرة فنية، بل مساراً أخلاقياً كاملاً، كُتب على خشبات المسرح، وصُوِّر في عيون الكاميرات، ودُفع ثمنه من الجسد والروح.
منذ بداياته الأولى، اختار بكري الفن بوصفه قدراً ومسؤولية. درس التمثيل والأدب العربي بدافع شغفٍ عميق بالمسرح، فالتحق بجامعة تل أبيب عام 1973، ومن هناك انطلقت رحلته التي تجاوزت الجغرافيا الضيقة لتصل إلى مسارح العالم وشاشاته، من هولندا وبلجيكا إلى فرنسا وكندا، من دون أن يغادر يوماً جوهره الأول: فلسطين.
كان المسرح عنده ساحة مواجهة، وكانت السينما فعلاً معرفياً يضع الحقيقة في وجه السلطة. جاءت أعماله صادمة في بُعديها الثقافي والسياسي، وكان فيلمه الوثائقي "جنين، جنين" ذروة هذا الاشتباك؛ عملٌ زلزل السردية الرسمية، وفتح جرحاً حاولت إسرائيل طمسه، فلاحقته بالمنع والمحاكم والغرامات، لما يقارب عشرين عاماً، في واحدة من أطول حملات الاضطهاد الثقافي ضدّ فنان فلسطيني.

في رصيده أكثر من 43 عملاً بين تمثيل وإخراج وتأليف وإنتاج، من بينها "من وراء القضبان"، "حيفا"، "حنا ك"، و"تحت أقدام النساء"، متنقلاً بين مسارح هابيما وحيفا والقصبة في رام الله.
عرف النجاح المحلي والعالمي، وتوسّعت تجربته بعد ترشيح "خلف القضبان" للأوسكار، فشارك في أفلام شكّلت علامات في السينما الفلسطينية والعربية، وأدوارٍ حملت ملامح الإنسان الممزق بين الذاكرة والمنفى، كما في "نهائي الكأس" (1991)، "ندبة" (1994)، "ساحة الأحلام" (2001)، و "ما بعد" (2024)، كما أدّى أدواراً في إنتاجات دولية.
على مدى السنوات، رفض بكري باستمرار التنازل عن هويته الفلسطينية مقابل عالم الثقافة الإسرائيلي-اليهودي. فقد شارك في أفلام لمخرجين فلسطينيين مثل ميشيل خليفي، رشيد مشهراوي وعلي نصار.
في التسعينيات، بدأ بالظهور في عروض مسرحية على خشبة مسرح "القَصبة" في رام الله، وعرض منفرداً "مونولوج بكري" الذي احتوى على إعادة إنتاج لرواية "المتشائم" لإميل حبيبي.
نبض