"شجرة الفستق" لمصطفى اللباد: إيران ليست ملاكاً ولا شيطاناً بل دولة عملية
صدر أخيراً كتاب جديد للدكتور مصطفى اللباد، الكاتب والصحافي المصري الذي توفي عام 2019 وكان مديراً لمركز الدراسات الإقليمية والاستراتيجية - الشرق في القاهرة، ورئيس تحرير مجلة "شرق نامه" المتخصصة في الشؤون الآسيوية. الكتاب يحمل عنوان "شجرة الفستق" (دار نوفل) وفيه يبحث في العلاقات الإيرانية - العربية مدى قرن (1914-2013) بنظرة واقعية، ويطرح تحدياً شديداً لبعض الأفكار الشائعة والكليشيهات العرقية. ويعتقد أن واقع العلاقات الإيرانية - العربية يختلف كثيراً عما رواه الغربيون وقبلوا به في الرأي العام.

خلاصة شعرية من الكتاب
يقول مصطفى اللبّاد في هذا الكتاب في خلاصة شعرية: "إيران ليست شيطاناً يتم الترويج لخطره بشكل مبالغ فيه لإخفاء العدو الحقيقي للعرب، أي الدولة الصهيونية المحتلة. كما أن إيران ليست ملاكاً لا يرتكب أي خطأ؛ هذه الوصفات ليست من خصائص الأمم الطبيعية ولا من مبادئ السياسة، بل إيران جار تاريخي كبير يشترك مع العرب في العديد من المجالات الحضارية والتاريخية، والخلافات مع إيران - التي كانت موجودة وسوف تستمر - يجب إدارتها بهذين الروح والمنطق، بطريقة تحافظ على مصالح العرب ووجودهم، وتستمر عملية التعاون الإقليمي بانتظام".
إيران: دولة إقليمية كبيرة متشابكة مع السياسة العالمية
يرى الكاتب أن إيران ليست دولة عادية بل دولة إقليمية كبيرة متشابكة مع السياسة العالمية؛ سواء في عصر النظام الملكي السابق الذي كان "مفتوحاً" على النظام الدولي، أم في عصر الجمهورية الإسلامية الحالية التي "تتعارض" مع ذلك النظام. ويبدو أن إيران لا تصالح نفسها إلا عندما تكون مؤثرة على المستوى الإقليمي.
يؤكد اللباد أن حسابات طهران (بغض النظر عن الإيديولوجيا الحاكمة في نظامها) كانت دائماً مبنية على عاملين أساسيين: الجهد المستمر للقيادة الإقليمية، والنظر إلى التناقضات والتعارضات الموجودة في المنطقة وكيفية استغلالها لتعزيز النفوذ الإقليمي الإيراني. فإيران على مدار التاريخ كانت في حالة منافسة مع جيرانها.
النقاط المشتركة بين إيران والعرب: حضارة وتاريخ
يعتبر الكاتب أن النقاط المشتركة بين إيران والعرب كثيرة، ويقول إن إيران، من جهة، كيان حضاري وتاريخي، وهي جارة للعرب منذ آلاف السنين ولم تنزل بالمظلة من السماء على المنطقة. ومن جهة أخرى، إيران منافس تاريخي للعرب، وكلما اختل توازن القوى لمصلحة طرف واحد، تزداد شدة هذه المنافسة؛ أمر يظهر بوضوح في النزاعات الجارية في المنطقة ومدى نفوذ إيران فيها.
يعتبر اللباد وجود خلافات حدودية بين إيران والعرب أمراً طبيعياً، ويكتب: "بوضوح، هناك مشكلات حدودية بين العرب وجميع جيرانهم الجغرافيين، ومساواة الجار التاريخي، أي إيران، بالعدو التاريخي، أي الدولة الصهيونية المحتلة، خطيئة لا تغتفر لا حيال التاريخ والجغرافيا فحسب، بل حيال إيران أيضاً".
دور الإيرانيين في نمو الحضارة الإسلامية
يشير الكاتب إلى الدور البارز للإيرانيين في نمو الحضارة الإسلامية، ويكتب: "منذ القرون الأولى لانتصار الإسلام، زاد حضور الإيرانيين في نسيج الحضارة العربية الإسلامية، وبذلك، أصبح أشخاص مثل أبو عبيدة، معمر بن المثنى، وواصل بن عطاء قادة في علم الكلام والجدل والعقيدة، وسيبويه والكسائي من أبرز علماء النحو والصرف العربي. مؤلفو الكتب المرجعية لأهل السنة غالباً ما كانوا إيرانيين مثل البخاري، ومسلم، والنيسابوري، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو داود السجستاني، والبيهقي، وابن ماجه القزويني".
من جهة أخرى، العرب الذين سيطروا على إيران لم يروا أي عائق في اقتباس نظام الإدارة في الدولة العربية الإسلامية من النظام الإداري الإيراني. تصل هذه الشراكة التاريخية والعقائدية إلى ذروتها عندما ندرك أن اثنين من الأئمة الأربعة لأهل السنة نشآ من محافظة خراسان الواقعة شمال شرق إيران؛ أي أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وأحمد بن حنبل المروزي الخراساني.
التعايش والتعاون: الطريق العقلاني الوحيد
يعتبر اللباد التعايش والتعاون الطريق العقلاني الوحيد للعلاقات الإيرانية - العربية ويقول: "العلاقات العربية - الإيرانية ليست من صنع يد الإنسان ولا مجرد نتاج التطورات الإقليمية فحسب، بل الجغرافيا أيضاً رسمتها؛ جغرافيا تحدد مصير الأمم، والتاريخ صقلها، والحضارة الإسلامية شكلتها. كان مصير العرب أن يكونوا جيران إيران، كما كان مصير إيران أن تكون جارة للعرب".
لماذا "شجرة الفستق"؟ استعارة سياسية جذابة
قد يثير هذا السؤال: لماذا سمى الكاتب المصري كتابه "شجرة الفستق"؟ وما علاقة هذا الاسم بالعلاقات السياسية والدولية؟ للإجابة يجب التنبه إلى جغرافيا إيران وتاريخها وثقافتها.
هضبة إيران أرض تضادات واضحة: جبال شاهقة، صحارى جافة غير مثمرة، وصراع دائم للوصول إلى المياه. هذه بيئة قاسية ومليئة بالتحديات. مع ذلك، شجرة الفستق لا تنمو فيها فحسب، بل تتفتح. سر حياة هذه الشجرة يكمن في جذورها العميقة والواسعة؛ جذور يمكن أن تغوص أمتاراً في التربة الجافة والملحية وتنتشر لتثبت الشجرة وتوفر لها المواد الغذائية في مكان تموت فيه النباتات الأخرى.
يمكن اعتبار هذه الشجرة استعارة للسلوك السياسي الإيراني؛ سلوك يتجذر في هوية ثقافية مصقولة بالشعر والفلسفة الفارسية ومختلطة بالإسلام الشيعي.
نبض