الوحش يراقب

الوحش يراقب
لوحة لإدوارد هوبر.
Smaller Bigger

عنبر سما*

أتذكرُ الأمهات اللاتي هنّ أمهاتي
وأمهات الأخريات
يشكّلنَ بناتهن على أهوائهن
البنات الرخوات جداً
الملتفات على أحلامهن
البسيطة 
كأغصانٍ مرنةٍ
لكن هذه الأغصان
قرّرت الأمهاتُ أن تثبّتها
على المكنسة 
والطاعة
والحياة المهترئة. 
وحين قلنا لماذا؟ 
قلن: هذا من أجلكن
من أجل أن لا تَعُدْنَ خائباتٍ
بعد الزواج
لكي تُحمَد تربيتنا ولا تعاب
فانتفضت بعض البنات قائلاتٍ:
كيف ننمو بأرضٍ غير أرضنا؟
كيف ندخل بيوتًا غير بيوتنا؟
والأخريات استسغن هذا العالم 
رحّبن بهذه الأصفاد 
وقلن: نحبّ الطبخ 
وما أجملها حياة الخادمات.
وأصبحن حتى في لعبةِ
"بيت بيوت"
يصررن على دور الخادمة،
وعالمها المليء بالطين والرداءة، 
رافضاتٍ دور الملكة
لم تعد هناك ضجةٌ كبيرةٌ
على هذا الدور
ولم يعد التاج الملمع يخطف قلوبهن 
ما يخطف قلوبهن حقًّا
ويترقبن رؤيته هو:
التماعة البيوت بعد التنظيف 
والكلمة الحسنة من الأمهات 
على تعبهن 
إلا أن الأمهات لا يفعلن 
اللين عندهن، عطبٌ في النشاط
فيفضلن إسداء التهكم والإهانة
ليشتدّ عودهن أكثر 
ليبدعنَ أكثر.
أتذكرُ الآباء الذين حثّوا
الأمهات على فعل هذا
الآباء المتبلّدين
الذين كانوا غائبين 
دوماً في أغوار النوم
فعادوا مسلّحين بالذعر
عندما سمعوا أن بناتهم
طمثنَ
دقّوا ناقوس الإنذار
وأعلنوا حالةَ الطوارئ
شاخصينَ عيونهم 
في خطواتهن وحركاتهن 
فجأةً انكسر الصمت وتجلّتْ
 مخالب الوحش
فجأةً تحوّلن بعيونهم الى
بذرة عار قابلة للنمو.

تقول لي فتاةٌ:
كنتُ في الثانية عشرة
عندما طمثتُ،
علمَ أبي وأمي
بالأمر 
راحوا قلقين خائفين، 
يصيرونني بالقيود
والحلال والحرام
أنا اخترتُ وتيرةً مغايرةً في الرفض:
ارتديتُ الثياب والأفعال 
والحركات التي تصغرني
تظاهرتُ بأني جاهلةٌ
أرتكب الأخطاء باستمرارٍ 
لكي أطيرَ من رأس أبي فكرة
إني أصبحت إمرأة بلغَتْ نضج الزواج. 

كانت تلك قطرات الدم الفاسدة 
لا تؤلمني أو تلوثني
بقدر ما تؤلم أبي وتلوث فكره
كأنَّها 
سيلٌ من السكاكين التي
مزّقت روح الطفولة وأجنحة الخيال.

*شاعرة عراقية

 

الأكثر قراءة

لبنان 12/20/2025 11:49:00 PM
 برز كلام رئيس الحكومة نواف سلام امس عقب استقباله في منزله في قريطم رئيس الوفد المفاوض في لجنة الميكانيزم السفير سيمون كرم.
سياسة 12/21/2025 4:36:00 PM
أكد أنه ليس بحاجة لشهادة حسن سلوك من أي كان
سياسة 12/22/2025 12:03:00 AM
هل نحن فعلاً في عهد سينجح في محاربة الفساد والفاسدين مهما علا شأنهم؟