إيران تودع كامران فاني حارس الكتاب والترجمة
دخل المجتمع الثقافي في إيران حالةَ حدادٍ مع وفاة كامران فاني، أحد أبرز الأسماء في الأدب والمكتبات والترجمة، السبت 12 كانون الأول/ديسمبر 2025، عن عمر يناهز 81 عاماً، بعد معاناة مع المرض.
يُعدّ كامران فاني من الوجوه الثقافية الهادئة القليلة الضجيج، لكن العميقة الأثر في الثقافة الإيرانية المعاصرة؛ كاتباً ومترجماً وأمين مكتبات وعضواً عاملاً في مجمع اللغة والأدب الفارسي. غير أنّ اللقب الأصدق له، قبل أي توصيف آخر، هو "أمين المكتبة" بالمعنى الدقيق والمهني والثقافي للكلمة.
سيرة كامران فاني
وُلد كامران فاني في 14 نيسان/أبريل 1944 في مدينة قزوين. لم تبدأ صلته بالكتاب في الجامعة، بل تشكّلت منذ سنوات المراهقة وهو لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية، خاض عملياً تجربة العمل في علم المكتبات والفهرسة. فقد كانت المكتبة المُهداة إلى مدرسته تفتقر إلى النظام والبنية، فتولّى -بفهمٍ ذاتي وتعلّمٍ عصامي- تنظيمها: رقّم الكتب، وكتب الفهارس، ووضع نظام الإعارة. وكانت تلك التجربة البسيطة كفيلة أن ترسم مسار حياته، ليغدو الكتاب وعلم المكتبات جوهر نشاطه.

كامران فاني وتخصص الأدب الفارسي
بعد عدوله عن دراسة الطب، التحق بقسم الأدب الفارسي في جامعة طهران، وتلقّى العلم على أيدي أساتذة بارزين في ذلك العصر. وبالتوازي مع دراسته، وسّع نطاق قراءاته وتعلّم اللغتين الإنكليزية والعربية بجدية. وحتى فترة خدمته العسكرية لم تُبعده عن الكتاب؛ ففي سنوات التوترات الحدودية بين إيران والعراق، وفّر فاني الكتب للجنود وجعل القراءة جزءاً من حياتهم اليومية. وبعد انتهاء الخدمة، تبرّع بتلك المكتبة، في لفتة تعكس روحه السخية ونظرته الثقافية.
من علم المكتبات إلى الترجمة والنقد
إلى جانب كونه من روّاد علم المكتبات في إيران. كان أول عمل منشور له ترجمة قصة لغي دو موباسان في مجلة "نگين" عام 1968. ثم نشر مقالاً عن طاغور، وكتباً أخرى في الأدب والثقافة. وكان أول مترجم يعرّف القارئ الفارسي بغونتر غراس، في وقتٍ لم يكن فيه الكاتب الألماني قد نال بعد شهرته العالمية أو جائزة نوبل.
وفي مجال الترجمة، خلّف أعمالاً متنوّعة؛ أبرزها ترجمة مسرحية "النورس" لأنطون تشيخوف، وكتاب "السلوك الروحي لبيتهوفن" لسوليفان. وقد شكّلت ترجمة كتاب سوليفان نوعاً من الوفاء لبيتهوفن، الموسيقي الذي كان فاني يمتلك معرفة عميقة به وشغفاً حقيقياً بموسيقاه. وقد أفضت خبرته الموسيقية إلى ترجمة متماسكة ومتعاطفة، لا تزال تُعدّ من المراجع الموثوقة عن بيتهوفن.
كما كتب مقالات عن تاريخ الترجمة، بينها "بيت الحكمة ودار الترجمة"، وتناول في حواراته الصحافية جوانب من تاريخ الترجمة في إيران. وكعادة الكُتاب المتعددي الفنون كتب باسمٍ مستعار هو "فرود" أعمالاً للأطفال والناشئة، ونشر مجموعة مقالات عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، قُدّمت لاحقاً في كتب مستقلة.
ويحتلّ دور كامران فاني في نقد الكتب والتعريف بها مكانة خاصة. فقد عُرفت مراجعاته في مجلات مثل "رودكي"، و"تحقيقات علم المكتبات"، و"نشر دانش" بالرصانة والدقة والابتعاد من الانفعال. فهو يفضّل، بدل الحدّة، تزويد القارئ معلومات مكمّلة وهادية، ويحوّل النقد إلى فرصة للتعلّم.
ويمتدّ نطاق اهتماماته المعرفية من تاريخ إيران والعالم إلى الأدب والفلسفة الغربية والإسلامية. وقد دفعه اهتمامه الخاص بتاريخ إيران إلى العمل على إعداد تصنيف تاريخ إيران وتوسيعه في أنظمة تصنيف المكتبات، وهو جهد نال حتى مصادقة مكتبة الكونغرس الأميركية. وبعد سنّ الثلاثين، كرّس جزءاً كبيراً من طاقته لتعليم علم المكتبات وإعداد "رؤوس الموضوعات الفارسية"، ومدى أكثر من ثلاثة عقود كان أستاذاً مشرفاً ومستشاراً لعدد لا يُحصى من الرسائل الجامعية.
ومن محطات سيرته أيضاً الإشراف والتحرير في موسوعات مثل "دانش گستر/المُطلع" و"دائرة المعارف الشيعية". ومع ذلك، فإن ما يخلّد اسم كامران فاني قبل كل شيء هو منهجه العلمي: سخاء نقل المعرفة، بلا ادّعاء ولا تكلّف.
نبض